ثمّ يقال له (١) : أنت أيّها السّائل وأصحابك ، تقولون : إنّ القرآن ليس بمعجز ، ولا علم على النبوّة ؛ لأنّه موجود قبل مولد النّبيّ صلىاللهعليهوآله في السّماء. وإنّما المعجز عندكم بنزول جبرئيل عليهالسلام به إلى النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، فالتّشنيع الذي ذكرته لازم لمذهبك.
فإن قال : نحن وإن قلنا إنّ القرآن لم يكن علما ومعجزا قبل إنزاله واختصاص النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، فإنّا نصفه بعد النزول والاختصاص بأنّه علم ومعجز.
قيل له : قد علمنا ذلك من قولك : إنّ الّذين أردت التّشنيع علينا عندهم لا يرتضون القول بأنّ القرآن لم يكن علما ومعجزا ، ثمّ صار كذلك. وهو موجود في الحالين ، وعندهم أنّ في ذلك تصغيرا من شأنه وحطّا عن قدره.
فإن قلت : إنّني إذا فهّمتهم المراد بهذا القول كان المعجز يجب أن يكون ناقضا للعادة ، ومن شرطه كذا وكذا. ولمّا كان القرآن موجودا في السّماء لم تنتقض به عادة ، ولم يحصل له شروط الأعلام والآيات ، وأنّه إنّما صار كذلك بعد النزول ؛ أزلت الشّناعة.
قيل لك : ونحن أيضا إذا أوقفناهم على الفرض في قولنا ، وكشفناه الكشف الّذي قدّمناه ، زال ما خامر قلوبهم من أنّ ذلك كالطّعن في دلالة القرآن ، وأنسوا به. وربّما اعتقده منهم من فهمه.
ويقال له : على أيّ وجه يصحّ قولكم : إنّ القرآن لم يكن علما معجزا قبل نزول جبرئيل عليهالسلام به ، ثمّ صار كذلك؟! والمعجز ـ في الحقيقة ـ هو الحادث عند دعوى النبوّة ليكون متعلّقا بها تعلّق التصديق ، ولهذا لا يكون ما حدث قبل نبوّة النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ بالمدد الطويلة ، أو تأخّر عنها ـ علما له ولا معجزا ، فكيف يكون
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٢ : «ومن ذهب إلى أنّ القرآن موجود في السّماء قبل النبوّة ، لا يمكنه أن يجعل القرآن هو العلم المعجز القائم مقام التصديق ؛ لأنّ العلم على صدق الدّعوى لا يجوز أن يتقدّمها ، بل لا بدّ من حدوثه مطابقا لها».