القرآن على هذا معجزا ، ووجوده متقدّم للنّبوّة؟!
فإن قال : القرآن ـ وإن تقدّم وجوده ـ فإنّما يصير معجزا لنزول جبرئيل عليهالسلام به ، واختصاصه بالنّبيّ صلىاللهعليهوآله على وجه لم تجر العادة بمثله ؛ فتحلّ في هذا الباب ، وإن كان محكيّا منقولا على المبتدأ للحدوث. كما أنّ القديم تعالى لو خلق حيوانا في جبل أصمّ ، وجعل بعض الأنبياء علمه ظهور ذلك الحيوان من الجبل ، فصدع الله تعالى الجبل وأظهر الحيوان ، لكان ذلك معجزا ، وإن كان خلق الحيوان متقدّما. ولم يكن بين ظهوره على هذا الوجه وبين ابتداء خلقه في الحال فرق في باب الإعجاز ؛ فكذلك القول في القرآن.
قيل له : إذا كان نزول جبرئيل عليهالسلام بالقرآن لم يجعله مبتدأ الحدوث ، لأنّه وإن كان حادثا عند الحكاية من قبل أنّ البقاء لا يصحّ عليه ، فليس بمبتدإ الحدوث. والحكاية له قائمة مقام نفس المحكيّ ، حتّى لو أنّه ممّا يبقى لم يسمع إلّا كما سمعت بحكايته ، فيجب أن لا يكون هو العلم في الحقيقة ؛ لأنّه لم يبتدأ حدوثه عند الدّعوى فيتعلّق بها.
ويجب على هذا المذهب أن يكون العلم المعجز هو نزول جبرئيل عليهالسلام به ؛ لأنّ ذلك متجدّد مبتدأ الحدوث. وليس الأمر في صدع الجبل عن الحيوان المتقدّم خلقه كما وقع لك ؛ لأنّ المعجز في ذلك يجب أن يكون صدع الجبل ؛ لأنّه الحادث عند الدّعوى ، والمتعلّق بها تعلّق التّصديق. فأمّا خلق الحيوان إذا كان معلوما تقدّمه ، فلا يجوز أن يكون هو المعجز.
وفي نزول جبرئيل عليهالسلام بالقرآن ، وهل يصحّ أن يكون معجزا أو لا يصحّ؟ وهل يكون العجز من فعل غير الله تعالى ، كما تكون من فعله؟ كلام ستراه مستقصى فيما بعد ، بمشيئة الله تعالى. وإنّما أوردنا هذا الكلام هاهنا لأنّ مذهب الخصوم يقتضيه.