فإن قال : كيف يكون نزول جبرئيل عليهالسلام بالقرآن علما لنا على النبوّة ، وهو ممّا لا نعلمه ولا نقف على تجدّد حدوثه؟! وإنّما يصحّ أن يكون نزول جبرئيل عليهالسلام علما له عند النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، نستدلّ به على صدقه فيما يؤدّيه عن ربّه تعالى ، فأمّا أن يكون علما للنّبيّ صلىاللهعليهوآله في تكليفنا العلم بنبوّته ـ وهو ممّا لا نقف عليه ـ فلا يصحّ!
قيل له : لنا سبيل إلى الوقوف عليه ؛ لأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله إذا تحدّى بالقرآن فصحاء العرب فلم يعارضوه ، وصرفت أنت وأهل مذهبك تعذّر المعارضة إلى خروج القرآن عن العادة في الفصاحة ، لم تخل الحال عند النّاظر المستدلّ على النّبوّة من وجوه :
إمّا أن يكون الله تعالى ابتدأ حدوث القرآن على يده وخصّه به ؛ فيكون المعجز حينئذ نفس القرآن. أو يكون أحدثه قبل نبوّته ، وأمر بعض الملائكة بإنزاله إليه ، ليتحدّى به البشر فيكون المعجز نزول الملك به لا نفس القرآن الّذي تقدّم حدوثه.
أو يكون خصّه بعلوم تأتّى معها فعل القرآن ، فيكون المعجز هو العلوم التي أبين (١) بها من غيره.
فالمرجع في القطع على أحد هذه الوجوه إليه صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّ العلم بصدقه حاصل بتعذّر المعارضة. وهي لا تتعذّر إلّا لأحد هذه الوجوه الّتي كلّ واحد منها يدلّ على صدقه صلىاللهعليهوآله.
وإذا تقدم العلم بصدقه معرفة المعجز بعينه ، قطع عليه بخبره. وقد خبّر صلىاللهعليهوآله بأنّ القرآن نزل به جبرئيل عليهالسلام ، وإن كان حادثا قبل الرّسالة فيجب عليك وعلى أهل مذهبك القول بأنّ القرآن ليس بعلم في الحقيقة ولا معجز! وهذا يعيد
__________________
(١) في الأصل : أتين ، والظاهر ما أثبتناه.