يتأتّ له الكلام الفصيح الّذي يعهده من نفسه ، حتّى إذا عدل عنها عدل إلى طبعه وجرى على عادته ، لا بدّ أن يقف على سبب تلبّسه (١) ، والوجه الّذي منه وهي (٢) ، ويعلم أنّ ذلك هو تعاطي المعارضة ، لا سيّما إذا جرّب نفسه مرّة بعد أخرى فوجد التعذّر مستمرّا عند القصد إلى المعارضة ، والتسهّل حاصلا عند الانصراف عنها ، فحينئذ لا يعارضه شك في ذلك ، ولا يخالجه (٣) ريب.
وإذا وجب هذا فأيّ شكّ يبقى لهم في النبوّة؟ وهل يعدل عنها منهم ـ وحالهم هذه ـ إلّا معاند مكابر لنفسه وعقله؟!
وقد علمنا أنّ من انحرف عن النّبيّ صلىاللهعليهوآله من العرب الفصحاء لم يكونوا بهذه الصّفة ، بل قد كان منهم من يتديّن بمذهبه ، ويتقرّب إلى الله تعالى بعبادته.
والأظهر من حالهم [أنّ] عدولهم عن تصديقه إنّما كان لتمكّن الشّبه من قلوبهم ، ولتقصيرهم في النّظر المفضي مستعمله إلى الحقّ. وهذا يكشف عن فساد ما ادّعيتموه.
قيل له (٤) : العرب وإن كانوا لا بدّ أن يعرفوا مبلغ ما يتمكّنون منه من الكلام
__________________
(١) اللفظة غير مقروءة في الأصل ، ولعلّها ما أثبتناه.
(٢) هكذا في الأصل ، ولعلّها : دهي.
(٣) في الأصل : ولا عالجه ، والمناسب ما أثبتناه.
(٤) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٣ : «قلنا لا يبعد أن يعلموا تعذّر ما كان متأتّيا ، ويجوز أن ينسبوه إلى الاتفاق ، أو إلى أنّه سحرهم ، فقد كانوا يرمونه بالسّحر ، وكانوا يعتقدون للسّحر تأثيرا في أمثال هذه الأمور ، ومذاهبهم في السحر وتصديقهم لتأثيراته معروفة ، وكذلك الكهانة.
ولو تخلّصوا من ذلك كلّه ونسبوا المنع إلى الله تعالى ، جاز أن يدخل عليهم شبهة في أنّه فعل للتصديق ، ويعتقدوا أنّه ما فعله تصديقا ، بل لمحنة العباد كما يعتقده كثير من المبطلين ، أو فعل للجدّ والدولة».