الفصيح ومراتبه ، فليس يجب ـ إذا امتنع عليهم عند القصد إلى المعارضة ما كان متأبّيا ثمّ عاد إلى التأتّي والتّسهّل مع العدل عنها ـ أن تعلموا أنّ سبب ذلك هو القصد إلى المعارضة. وإن علموا ذلك فليس يجب أن يعلموا أنّ المنع عنها من قبل الله تعالى ، فإذا علموه فلا يجب أن يعلموا أنّ الله فعله تصديقا للمدّعي للنّبوّة ؛ لأنّهم قد يجوز أن ينسبوا ما يجدونه من التعذّر ثمّ التسهّل إلى الاتّفاق ، أو إلى غيره من الأسباب.
فإذا عرفوا أنّه من أجل المعارضة جاز أن ينسبوه إلى السّحر ، فقد كان القوم ـ إلّا قليلا منهم ـ يصدّقون به ويعتقدون فيه أنّه يبغّض الحبيب ، ويحبّب البغيض ، ويسهّل الصّعب ، ويصعّب السّهل. ولهم في ذلك وفي الكهانة مذاهب معروفة وأخبار مأثورة ، وقد رموا النّبيّ صلىاللهعليهوآله بشيء من ذلك ، ونطق به القرآن ، فأكذبهم الله تعالى فيه ، كما أكذبهم في غيره من ضروب القرف (١) والتخرّص.
فإذا وصلوا إلى أنّه من فعل الله تعالى وزالت الشّبهة في أنّه من فعل غيره ، جاز أن يعتقدوا أنّه لم يكن للتّصديق ، بل للجدّ والدّولة والمحنة للعباد ؛ فأكثر النّاس يرى أنّ الله تعالى إذا أراد إدالة (٢) بعض عباده ، والإشادة بذكره ، والرّفع لقدره ، سخّر له القلوب ، وذلّل له الرّقاب ، وقبض الجوارح ليتمّ أمره ، وينتظم حاله. ولا فرق في هذا بين الضالّ والمهتدي ، والصادق والكاذب. ولله تعالى أن يمتحن عباده على رأيهم بكلّ ذلك.
والشّبه الّتي تعترض في كلّ قسم من الأقسام الّتي ذكرناها كثيرة جدّا. وقد استقصى الجواب عنه المتكلّمون في كتبهم ، وإنّما أشرنا بما ذكرناه منها إلى ما
__________________
(١) هكذا في الأصل : يقال : قرفه بكذا : نسبه إليه وعابه به. ولعلّ العبارة : من ضروب القذف ؛ ففي الذخيرة ٣٧١ : واستعمال السبّ والقذف.
(٢) أدال فلانا على فلان : نصره وغلبه عليه ، وأظفره به.