هو أشبه بأن يقع للعرب ، وأقرب إلى أفهامهم وعقولهم.
وإذا كان العلم بأنّ القرآن معجز وعلم على النّبوّة لا يخلص إلّا بعد العلم بما ذكرناه ـ وفيه من النّظر اللطيف ما فيه ـ فكيف يلزم أن يعرف العرب ذلك ببادي أفكارهم ، وأوائل نظرهم؟!
ثمّ يقال للسّائل (١) : إذا كان العرب عندك قد علموا مزيّة القرآن في الفصاحة على سائر الكلام ، وعرفوا أيضا أنّ هذه المزيّة خارجة عن العادة ، وأنّها لم تقع بين شيء من الكلام ؛ فقد استقرّ إذا عندهم أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله مخصوص من بينهم بما لم تجر العادة به ، فكيف لم يؤمن جميعهم مع هذا ، وينقد سائرهم ، سيّما ولم يكن القوم معاندين ، ولا في حدّ من يظهر خلاف ما يبطن؟!
فإن قال : ليس يكفي في ذلك العلم بمزيّة القرآن وخروجه عن العادة ؛ لأنّهم يحتاجون إلى أن يعلموا أنّ الله تعالى هو الخارق للعادة ، وأنّه إنّما خرقها تصديقا للمدّعي للنّبوّة. وفي هذا نظر طويل يقصر عنه أكثرهم.
قيل له : الأمر على ما ذكرت ، وهذا بعينه جوابك عن سؤالك ، فتأمّله!
فإن قال (٢) : لو كان اعجاز القرآن وقيام الحجّة به من قبل الصّرفة عنه لا لمزيّته في الفصاحة لوجب أن يجعل في أدون طبقات الفصاحة ، بل كان الأولى
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٣ : «قلنا : إذا كانت العرب علماء بخرق فصاحة القرآن لعاداتهم ، وأنّ أفصح كلامهم لا يقاربه ، فأيّ شبهة بقيت عليهم في أنّه من فعل الله تعالى صدّق (التصديق) نبيّه صلىاللهعليهوآله. فإذا قالوا : قد يتطرّق عليهم في هذا العلم شبهات كثيرة ، لأنّهم يجب أن يعلموا أنّ الله تعالى هو الخارق لهذه العادة بفصاحة القرآن ، وأنّ وجه خرقه لها تصديق الدعوة للنّبوّة. وفي هذا من الاعتراض ما لا يحصى».
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ : «فإن قيل : إن كان الصّرف هو المعجز ، فألّا جعل القرآن من أركّ كلامه وأبعده من الفصاحة ليكون الصّرف عن معارضته أبهر؟».