أن يسلبها جملة ، ويجعل كلاما ركيكا متقاربا ؛ لأنّه مع الصّرف عن معارضته ، كلّما بعد عن الفصاحة وقرب ممّا (١) يتمكّن من مماثلته فيه المتقدّم والمتأخّر والفصيح [وغير الفصيح] ، لكانت (٢) حاله في الإعجاز أظهر ، والحجّة به آكد ، وارتفعت في أمره كلّ شبهة ، وزال كلّ ريب. وفي إنزال الله تعالى له على غاية الفصاحة دليل على بطلان مذهبكم ، وصحّة قولنا.
قيل له : (٣) : هذا من ضعيف الأسئلة ؛ لأنّ الأمر وإن كان لو جرى على ما قدّرته ، لكانت الحجّة أظهر والشّبهة أبعد ؛ فليس يجب القطع على أنّ المصلحة تابعة لذلك! وغير ممتنع أن يعلم الله تعالى أنّ في إنزال القرآن على هذا الوجه من الفصاحة المصلحة واللّطف للمكلّفين ما ليس حاصلا عنده لو قلّل من فصاحته وليّن من ألفاظه ، فينزله على هذا الوجه. ولو علم أنّ المصلحة في خلاف ذلك لفعل ما فيه المصلحة وهذا كاف في جوابك.
ثمّ يقال للسائل (٤) : أما يقدر القديم تعالى على كلام أفصح من القرآن؟
__________________
(١) في الأصل : ما ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) في الأصل : ولو كانت ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
(٣) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٤ : «قلنا : لا بدّ من مراعاة المصلحة في هذا الباب ، فربّما ما كان ما هو أظهر دلالة وأقوى في باب الحجّة من غيره ، وأصلح منه في باب الدين ، فما المنكر من أن يكون إنزال القرآن على هذه الرتبة من الفصاحة أصلح في باب الدين ، وإن كان لو قلّلت فصاحته عنه لكان الأمر أظهر فيه وأبهر».
(٤) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٤ : «فيقال له : الله تعالى قادر على ما هو أفصح من القرآن عندنا كلّنا. فألّا فعل ذلك الأفصح ليظهر مباينة القرآن لكلّ فصيح من كلام العرب ، وتزول الشبهة عن كلّ أحد في أنّ القرآن يساوى ويقارب؟! فلا بدّ من ذكر المصلحة التي ذكرناها ، فإن ارتكب بعض من لا يحصّل أمره أنّ القرآن قد بلغ أقصى ما في