فإن قال : لا ، لأنّ فصاحة القرآن هي نهاية ما يمكن في اللّغة العربيّة.
قيل له : ومن أين لك هذا؟ وما الدّليل على أنّه لا نهاية بعدها؟
فإن رام أن يذكر دليلا على ذلك ، لم يجد. وكلّ من له أدنى معرفة وإنصاف يعلم تعذّر الدّليل في هذا الموضع.
وإن قال : القديم تعالى يقدر على ما هو أفصح من القرآن.
قيل : فألّا فعل ذلك؟! فإنّا نعلم أنّه لو فعله لظهرت الحجّة وتأكّدت ، وزالت الشّبهة وانحسمت ، ولم يكن للرّيب طريق على أحد في أنّ القرآن غير مساو لكلام العرب ولا مقارب ، وأنّه خارق لعاداتهم ، خارج عن عهدهم.
فإن قال : قد يجوز أن يعلم تعالى أنّه لا مصلحة في ذلك ، وأنّ المصلحة فيما فعله. ولو علم في خلافه المصلحة لفعله.
قيل له : فبمثل هذا أجبناك.
على أنّا لو سلّمنا للسّائل ما يدّعيه من أنّ فصاحة القرآن قد بلغت النّهاية ، وأنّ القديم تعالى لا يوصف بالقدرة على ما هو أفصح منه ، لكان الكلام متوجّها أيضا ، لأنّه ليس يمتنع أن يسلب الله تعالى الخلق في الأصل ، العلوم التي يتمكّنون بها من الفصاحة الّتي نجدها ظاهرة في كلامهم وأشعارهم ، ولا يمكّنهم منها. وإن مكّنهم
__________________
المقدور من الفصاحة ، فلا يوصف تعالى بالقدرة على ما هو أفصح منه! قلنا : هذا غلط فاحش ، لأنّ الغايات التي ينتهي الكلام الفصيح إليها غير محصاة ولا متناهية. ثمّ لو انحصرت على ما ادّعى لتوجّه الكلام ، لأنّ الله تعالى قادر بغير شبهة على أن يسلب العرب ـ في أصل العادة ـ العلوم التي يتمكّنون بها من الفصاحة التي نراها في كلامهم وأشعارهم ، لا يمكنهم من هذه الغاية التي هم الآن عليها ، فيظهر حينئذ مزيّة القرآن وخروجه عن العادة ، ظهورا تزول معه الشبهات ، ويجب معه التسليم. فألّا فعل ذلك إن كان الغرض ما هو أظهر وأبهر؟!».