فمن الشيء النزر اللّطيف الّذي لا يعتدّ بمثله ، وينسب فاعله فصحاؤنا العيّ (١) والبعد عن مذهب الفصاحة ؛ فتظهر إذن مزيّة القرآن وخروجه عن العادة ظهورا يرفع الشّك ، ويوجب اليقين. وليس هذا ممّا لا يمكن أن يوصف الله تعالى بالقدرة عليه ، كما أمكن ادّعاء ذلك في الأوّل.
ثمّ يقال له : خبّرنا ، لو أنشر الله تعالى عند دعوة النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، جميع الأموات أو أكثرهم ، أو أمات أكثر الأحياء أو سائرهم ، وأهبط الملائكة إلى الأرض تنادي بتصديقه وتخاطب البشر بنبوّته. بل لو فعل ـ جلّ وعزّ ـ ما اقترح على نبيّه عليه وآله السّلام من إحياء عبد المطّلب ، ونقل جبال مكّة من أماكنها ، إلى غير ذلك من ضروب ما استدعوه واقترحوه ، أما كان ذلك أثبت للحجّة وأنفى للشّبهة؟! (٢) فلا بدّ من : نعم ، وإلّا عدّ مكابرا.
فيقال له : فكيف لم يفعل ذلك أو بعضه؟
فإن قال : لأنّه تعالى علم المصلحة في خلافه! أو قال : لأنّه لو فعل ذلك لكان الخلق كالملجئين إلى تصديق الرّسول صلىاللهعليهوآله ، وخرجوا من أن يستحقّوا بذلك الثّواب الّذي أجرى بالتّكليف إليه!
قيل له : هذا صحيح ، وهو جوابنا لك.
فإن قال : لو كان فصاحة القرآن غير خارجة عن العادة ، وكان إعجازه من قبل الصّرف عنه ـ على ما ذهبتم إليه ـ لم يشهد الفصحاء المبرّزون بفضله وتقدّمه في
__________________
(١) العيّ : العجز عن التعبير اللفظيّ والبيان.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٤ : «فألّا فعل ذلك إن كان الغرض ما هو أظهر وأبهر ، وألّا أحيى الله تعالى عند دعوته الأموات أو أكثرهم وأمات الأحياء أو أكثرهم ، وألّا أحيى عبد المطّلب عليهالسلام ونقل جبال مكّة عن أماكنها ، كما اقترح القوم عليه. فذلك كلّه أظهر وأبهر».