الفصاحة ، ولا قال الوليد بن المغيرة (١) وقد اجتمعت إليه قريش وسألته عن القرآن ، فقال : قد سمعت الخطب والشّعر وكلام الكهنة ، وليس هذا منه في شيء. ثمّ فكّر ونظر ، وعبس وبسر (٢) وقال : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ)! فاعترف بفضيلته ، وأقرّ بمزيّته.
وقوله : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) ، يشهد بذلك ؛ لأنّه لمّا فرط استحسانه كلّه ، وأعجب (٣) به ، وأحسّ من نفسه بالقصور عن مثله ، نسبه إلى أنّه سحر ، كما يقال فيما يستحسن ويستبدع من الكلام الحسن والصّنائع الغريبة : هذا هو السّحر! وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إنّ من الشّعر لحكما ، وإنّ من البيان لسحرا» (٤).
وكيف يكون الأمر على ما ذهبتم إليه ، وقد انقاد للنّبيّ صلىاللهعليهوآله جلّة الشّعراء وأمراؤهم ، كلبيد بن ربيعة (٥) ، والنّابغة الجعديّ (٦) ، وكعب بن
__________________
(١) هو أبو عبد شمس ، الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ ، هو أبو خالد بن الوليد وعمّ أبي جهل ، كان من كبراء قريش وزعمائها ودهاتها قبل البعثة. جمع المتناقضات من صفات الخير والشرّ ، كان من ألدّ أعداء النبيّ والإسلام ، ولم يزل على عناده حتى مات كافرا. ودفن بالحجون بمكّة وعمره ٩٥ سنة.
(٢) إشارة إلى قوله تعالى في سورة المدّثّر : الآية ١٧ : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ).
(٣) في الأصل : وأعجبه ، والمناسب ما أثبتناه.
(٤) بحار الأنوار ٧١ / ٤١٥ ، ٧٩ / ٢٩٠ ؛ سنن أبي داود : كتاب الأدب ، باب ما جاء في الشعر.
(٥) هو لبيد بن ربيعة بن مالك العامريّ ، أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهليّة ، وأحد أصحاب المعلّقات ، كان من أهل نجد وأسلم ، وكان من المؤلّفة قلوبهم. سكن الكوفة ، وعاش عمرا طويلا ، وتوفّي سنة ٤١ ه.
(٦) هو قيس بن عبد الله العامريّ ، صحابيّ وشاعر مفلق ومخضرم ، وكان ممّن هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل ظهور الإسلام ، أسلم وصحب النبيّ ثمّ شارك مع