قيل له : إنّما تكون الشّهادة بفضل القرآن في الفصاحة وعلوّ مرتبته فيها ردّا على من نفى فصاحته جملة ، أو من لم يعترف بأنّه منها في الذّروة العليا والغاية القصوى ، وليس هذا مذهب أصحاب الصّرفة.
وإنّما أنكر القوم ـ مع الاعتراف له بهذا الفضل والتقدّم في الفصاحة ـ أن يكون بينه وبين فصيح كلام العرب ما بين المعجز والممكن ، والمعتاد والخارق للعادة. وليس يحتاج ـ ولا كلّ من له حظّ من العلم بالفصاحة وإن قلّ ـ في المعرفة بفضل القرآن وعلوّ مرتبته في الفصاحة إلى شهادة الوليد بن المغيرة وأضرابه ، وإن كان قد يظهر لهم (١) من فضله ما لا يظهر لنا ؛ لتقدّمهم في العلم بالفصاحة ، إلّا أنّهم لو كتموا ما عرفوه من أمره ولم يشهدوا به ، لم يخلّ ذلك بالمعرفة الّتي ذكرناها (٢).
فأمّا قول الوليد بن المغيرة : «قد سمعت الخطب والشّعر وكلام الكهنة ، وليس هذا منه في شيء» فيحتمل أن يكون مصروفا إلى أنّه مباين لما سمع في طريقة النّظم ؛ لأنّه لم يعهد بشيء من الكلام مثل نظم القرآن.
وقوله (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) (٣) إنّما عنى به ما وجد [في] نفسه من تعذّر
__________________
وكعب بن زهير؟
ويقال : إنّ الأعشى الكبير توجّه ليدخل في الإسلام ، فغاظه أبو جهل بن هشام ، وقال : إنّه يحرّم عليك الأطيبين : الخمر والزنا. وصدّه عن التوجّه. وكيف يجيب هؤلاء الفصحاء إلّا بعد أن بهرتهم فصاحة القرآن وأعجزتهم».
(١) في الأصل : لها ولا ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٥ : «قلنا : ما شهد الفصحاء من فصاحة القرآن وعظم بلاغته إلّا بصحيح ، وما أنكر أصحاب الصرفة علوّ مرتبة القرآن في الفصاحة ، قالوا : ليس بين فصاحته ـ وإن علت على كلّ كلام فصيح ـ قدر ما بين المعجز والممكن ، والخارق للعادة والمعتاد ، فليس في طرب الفصحاء بفصاحته ، وشهادتهم ببراعته ، ردّ على أصحاب الصرفة».
(٣) سورة المدّثر : ٢٤.