المعارضة إذا رامها ، مع تمكّنه من التّصرّف في الكلام الفصيح ، وقدرته على ضروبه ؛ لأنّه لمّا تعذّر عليه ما كان مثله على العادة ممكنا متأتّيا ، ظنّ أنّه قد سحر! ويكون قوله : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) ، إشارة إلى حاله وامتناع ما امتنع عليه ، لا إلى القرآن.
وهذا أشبه بالقصّة ممّا تأوّله السّائل ، وإن كان جواب ما ذكرناه واحتمال القول له يكفي في الجواب.
وأمّا دخول الشّعراء الّذين ذكرهم في الدّين ، وتصديقهم للرّسول صلىاللهعليهوآله ، فإنّما يقتضي أنّ ذلك لم يقع منهم ـ مع إبائهم وعزّة نفسهم ـ إلّا لآية ظهرت ، وحجّة عرفت. وأيّ آية أظهر! أو حجّة أكبر من وجدانهم ما يتسهّل عليهم من التصرّف في ضروب الفصاحة والنّظوم ـ إذا لم يقصدوا المعارضة ـ متعذّرا إذا قصدوها ، وممتنعا إذا تعاطوها! وهذا أبهر لهم ، وأعظم في نفوسهم ، وأحقّ بإيجاب الانقياد والتّسليم ممّا يظنّه السائل وأهل مذهبه! وإن قال : إذا كان الخلق عندكم مصروفين عن معارضة القرآن ، فكيف تمكّن مسيلمة (١) منها ، وكلامه وإن لم يكن مشبها للقرآن في الفصاحة ولا قريبا فهو مبطل لدعواكم أنّ الصّرف عامّة لجميع النّاس؟ (٢)
__________________
(١) هو أبو ثمامة الحنفيّ ـ نسبة إلى بني حنيفة ـ المشهور بمسيلمة الكذّاب ، وذلك بعد ما ادّعى النبوّة. ولد باليمامة ونشأ بها ، وفي أواخر سنة ١٠ ه قدم على النبيّ صلىاللهعليهوآله وهو شيخ كبير ، وحينما عاد ادّعى النبوّة وأنّه شريك رسول الله صلىاللهعليهوآله في دعوته ونبوّته. وبعد أن توفّي النبيّ صلىاللهعليهوآله أعلن عن دعوته باليمامة واستفحل أمره ، فحاربه المسلمون سنة ١١ أو ١٢ للهجرة ، فقتل في المعركة وكان عمره حينذاك ١٥٠ سنة.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٥ : «فإن قيل : كيف لم يصرف مسيلمة عمّا أتى به من المعارضة؟».