قيل له : تمكين مسيلمة الكذّاب ممّا ادّعى أنّه معارضة من أدلّ دليل على صحّة مذهبنا في الصّرفة ؛ لأنّه لم يمكّن من المعارضة إلّا من لا يشتبه على عاقل ـ فضلا على فصيح ـ بعد ما أتى به عن الفصاحة ، وشهادته بجهله أو اضطراب عقله.
وإنّما منع من المعارضة عندنا من الفصحاء من يقارب كلامه ، وتشكل حاله. ولو لم يكن الأمر على ما ذكرناه ، وكانت [حال] الفصحاء بأسرهم ، في التّخلية بينهم وبين المعارضة ، حال مسيلمة وأمثاله ؛ لوجب أن يقع منهم أو من بعضهم المعارضة ، إمّا بما يقارب أو بما يدّعى فيه المقاربة المبطلة للإعجاز. وأنت تجد هذا المعنى مستوفى في الدّليل التالي لهذا الكلام ، بمشيئة الله تعالى (١).
ثمّ يقال له : ألست تعترف بأنّ معارضة القرآن لم تقع من أحد ، وعلى هذا يبني جماعتنا دلالة إعجاز القرآن على اختلاف طرقهم؟
فإذا قال : نعم.
قيل له : فكيف تقول في معارضة مسيلمة : لا اعتراض بمثلها؟! وإنّما تبغي وقوع المعارضة المؤثّرة ، وهي المماثلة أو المقاربة على وجه يوجب اللّبس والإشكال!
قيل له : وعن هذه المعارضة المؤثّرة صرف الله تعالى الخلق ، فقد زال الطّعن بمسيلمة.
فإن قال : فأجيزوا على هذا المذهب أن يكون في كلام العرب ما هو أفصح من القرآن!
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٥ : «قلنا : لا شيء أبلغ في دلالة القرآن على النبوّة من تمكين مسيلمة من معارضته السخيفة ، لأنّه لو لم يكن غيره من الفصحاء الذين يقارب كلامهم ويشكل حالهم مصروفا ، لعارض كما عارض مسيلمة ؛ فتمكين مسيلمة من معارضته دليل واضح على ما نقوله في الصرفة».