العقل فان كان الضرر مما لا يتحمله الانسان منعه من ارتكابه حتى لو كانت الشبهة بدويّة غير مسبوقة بالعلم الاجمالي بخلاف ما نحن فيه فان الحكم المعلوم بالاجمال حكم شرعي ونفس مشرعه وهو الشارع قد اجاز مخالفته واسقط مراعاته وامتثاله بواسطة أدلة الاصول الشاملة لأطراف العلم الاجمالي فالمشرع في الاول هو العقل والمشرع في الثاني هو الشرع ولعل خلط أحدهما بالآخر هو الذي أوهم جمعا من العلماء فذهبوا الى التنجيز بالعلم الاجمالي.
إن قلت كلما حكم به العقل حكم به الشرع وقد فرض إن العقل فيما ذكر يحكم بالاجتناب فلا بد ان يكون الشرع يحكم أيضا.
قلنا يمكن الجواب عن ذلك :
أولا بالنقض بانه لو تم ذلك لكان اللازم الحكم بالاجتناب حتى في الشبهة البدوية فان العقل يحكم بالاجتناب مع احتمال الضرر في شيء فانه مع احتمال ان في شيء سما قاتلا يحكم العقل بالاجتناب.
وثانيا بالحل بأن الضرر في المورد انما استفادة العقل من حكم الشرع فاذا الشرع أباح الارتكاب فالعقل لم يدرك ضررا منجّزا عليه تركه لأن اباحة الشرع دليل على تداركه والّا لم يبحه واذا الضرر ادركه العقل بنفسه كان الحكم ما يحكم به العقل كالسم فاذا حكم بوجوب اجتنابه كان حكمه حتى في الشبهة البدوية ويكون الشرع تابعا له ولا يجري الاستصحاب لقيام الدليل العقلي على وجوب الاجتناب وهذا انما يكون فيما يوجب الوقوع في التهلكة فيكون المقام من قبيل الصورة الثانية التي يقوم الدليل فيها على خلاف مؤدى الاستصحاب.
والحاصل ان الضرر الذي يدركه العقل من المولى وبواسطة حكم المولى بالوجوب أو الحرمة يكون حكم العقل بوجوب الاجتناب