وتكون على «أن» التي تعمل في الأفعال لأنك تقول : «غاظني أن قام» و «غاظني أن ذهب» فتقع على الأفعال ، وإن كانت لا تعمل فيها ؛ وفي كتاب الله (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٦] معناها : أي امشوا.
وقال تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [الآية ٥٣] بنصب ما بعد الفاء ، لأنه جواب استفهام.
وقوله تعالى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) [الآية ٥٤] عطف على قوله سبحانه : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الآية ٥٤] (١).
وقال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦) بتذكير (قريب) وهي صفة «الرحمة» وذلك كقول العرب «ريح خريق» و «ملحفة جديد» و «شاة سديس». وإن شئت قلت : تفسير «الرحمة» هاهنا : المطر ، ونحوه (٢). فلذلك ذكّر. كما في قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا) [الآية ٨٧] بالتذكير على إرادة «الناس». وإن شئت جعلته كبعض ما يذكّرون من المؤنث (٣) كقول الشاعر (٤) [من المتقارب وهو الشاهد الحادي والثلاثون] :
فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها |
وقال تعالى في أول هذه السورة : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [الآية ٢](لِتُنْذِرَ بِهِ) [الآية ٢](فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) [الآية ٢] هكذا تأويلها على التقديم والتأخير. وفي كتاب الله مثل ذلك كثير ، قال تعالى : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) (٢٨) [النمل] والمعنى ـ والله أعلم ـ (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) وفي كتاب الله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ
__________________
(١). نقله في اعراب القرآن ١ : ٣٦٣ ، والجامع ٧ : ٢٢١.
(٢). نقله في التهذيب ٩ : ١٢٥ «قرب» ، والمشكل ١ : ٢٩٤ ، والبحر ٤ : ٣١٣ ، وزاد المسير ٣ : ٢١٦ ، والتصريح ٢ : ٣٢ ، واعراب القرآن ١ : ٣٦٥ ، والجامع ٧ : ٢٢٨.
(٣). نقله مع الشاهد في اعراب القرآن ١ : ٣٦٤ ، والجامع ٧ : ٢٢٨.
(٤). هو عامر بن جوين الطائي ، او الخنساء ، الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ٢٤٠ ، ومجاز القرآن ٢ : ٦٧ ، والصحاح واللسان «بقل» ، والبيت بعد في معاني القرآن ١ : ١٣٧.