الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) [النحل] والمعنى ـ والله أعلم ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وفي غافر (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) [غافر : ٨٣].
والمعنى ـ والله أعلم ـ (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنَ الْعِلْمِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ). وقال بعضهم (فَرِحُوا بِما) هو (عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي : كان عندهم العلم وهو جهل ؛ ومثل هذا في كلام العرب وفي الشعر كثير من التقديم والتأخير. يكتب الرجل : «أمّا بعد ، حفظك الله وعافاك ، فإنّي كتبت إليك» فقوله «فإنّي» محمول على «أمّا بعد» وانما هو «أمّا بعد فإنّي» وبينهما كما ترى كلام. قال الشاعر [من الكامل وهو الشاهد الثامن بعد المائتين] :
خير من القوم العصاة أميرهم |
|
يا قوم فاستحيوا النساء الجلّس |
والمعنى : خير من القوم العصاة أميرهم النّساء الجلّس يا قوم فاستحيوا.
قال الاخر (١) [من البسيط وهو الشاهد التاسع بعد المائتين] :
الشّمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا (٢) |
ومعناه : الشمس طالعة لم تكسف نجوم الليل والقمر لحزنها على «عمر» (٣) وذلك أنّ الشمس كلما طلعت كسفت القمر والنجوم فلم تترك لها ضوا.
وقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) [البقرة : ٢٥٨] ثم قال (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) [البقرة : ٢٥٩] ف «الكاف» تزاد في الكلام. والمعنى : «ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أو الّذي مرّ على قرية». ومثلها في القرآن. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] والمعنى ليس
__________________
(١). هو جرير بن عطية بن الخطفي. ديوانه ٢ : ٧٣٦ ، والكامل ٢ : ٦٥٢.
(٢). في الديوان «فالشمس كاسفة ليست بطالعة» ، وكذلك شرح الأبيات للفارقي ١١٨ ، وفي الكامل ب «فالشمس» والشاهد بعد في الصحاح «بكى».
(٣). هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الخليفة الأموي ، ترجمته وأخباره في مروج الذهب ٣ : ١٩٢ ـ ٢٠٥ ، والأغاني ٨ : ١٥١.