مثله شيء. لأنه ليس لله مثل (١). وقال الشاعر (٢) [من الرجز وهو الشاهد العاشر بعد المائتين] :
فصيّروا مثل كعصف مأكول (٣)
والمعنى : فصيّروا مثل عصف ، والكاف زائدة. وقال الاخر (٤) (من الرجز وهو الشاهد الحادي عشر بعد المائتين) :
وصالبات ككما يؤثفين |
|
فإحدى الكافين زائدة |
وقوله تعالى (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً) [النساء : ٥٦] يعني غيرها في النضج ، لأنّ الله عزوجل يجدّدها فيكون أشدّ للعذاب عليهم. وهي تلك الجلود بعينها التي عصت الله تعالى ، ولكن أذهب عنها النضج ، كما يقول الرجل للرجل : «أنت اليوم غيرك أمس» وهو ذلك بعينه إلا أنه نقص منه شيء أو زاد فيه. وفي كتاب الله عزوجل (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢٨) [الأنعام] فيسأل السائل فيقول كيف كانوا كاذبين ولم يعودوا بعد. وإنما يكونون كاذبين إذا عادوا. وقد قلتم إنه لا يقال له كافر ، قبل أن يكفر ، إذا علم أنه كافر. وهذا يجوز أن يكون أنّهم الكاذبون بعد اليوم كما يقول : «أنا قائم» وهو قاعد ، يريد «إني سأقوم». أو يقول تعالى (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) يعني ما وافوا به القيامة من كذبهم وكفرهم ، لأنّ الذين دخلوا النار كانوا كاذبين كافرين.
وقوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) [القيامة] يقول «تنظر في رزقها وما يأتيها من الله». يقول الرجل : «ما أنظر إلّا إليك» ولو كان نظر البصر ، كما يقول بعض الناس ، كان في الآية التي بعدها بيان ذلك. ألا ترى أنه قال (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) (٢٥) [القيامة] ولم يقل : «ووجوه لا تنظر ولا ترى» وقوله تعالى : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) (٢٥) يدلّ
__________________
(١). سبق للأخفش أن ذكر هذه الآراء ، في كلامه على الآيتين ٢٥٨ و ٢٥٩ في سورة البقرة ، بعبارة لا تكاد تختلف.
(٢). هو رؤبة بن العجّاج. ديوانه ١٨١ ، والخزانة ٤ : ٢٧٠ ، وقيل هو حميد الأرقط الكتاب ١ : ٢٠٣.
(٣). في الخزانة «فأصبحوا». والبيت بعد في شرح الأبيات للفارقي ١٨٠.
(٤). هو خطام المجاشعي ، الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ١٣ ، والكتاب ١ : ٢٠٣ و ٢ : ٣٣١ ، والخزانة ١ : ٣٦٧ ، والشاهد أيضا في الخزانة ٢ : ٣٥٤ و ٤ : ٢٧٣.