«الظن» هاهنا على النظر ثم الثقة بالله وحسن اليقين ، ولا يدل على ما قالوا. وكيف يكون ذلك والله سبحانه يقول (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣] وقوله تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] يعني ما تشاؤون من الخير شيئا إلّا أن يشاء الله أن تشاؤوه.
وقوله تعالى (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [النور : ٤٠] حمل على المعنى ، وذلك أنه لا يراها ؛ وذلك أنّك إذا قلت : «كاد يفعل إنما تعني قارب الفعل ولم يفعل» فإذا قلت «لم يكد يفعل» كان المعنى أنه لم يقارب الفعل ولم يفعل على صحة الكلام. وهكذا معنى هذه الآية. إلّا أنّ اللّغة قد أجازت «لم يكد يفعل» في معنى : فعل بعد شدة ، وليس هذا صحة الكلام أنه إذا قال : «كاد يفعل» فإنما يعني قارب الفعل. وإذا قال : «لم يكد يفعل» يقول : «لم يقارب الفعل» إلا أنّ اللغة جاءت على ما فسرت لك ، وليس هو على صحة الكلمة.
وقال تعالى (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [الآية ٦٩] كأنه قال : «صنعوا كذا كذا وعجبوا» فقال «صنعتم كذا وكذا أو عجبتم» فهذه واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام.
وقال تعالى (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) [الآية ٦٥](وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) [الآية ٧٣] فكلّ هذا ـ والله أعلم ـ نصبه على الكلام الأول على قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [الآية ٥٩] وكذلك (وَلُوطاً) [الآية ٨٠] ، وقال بعضهم : «واذكر لوطا». وإنما يجيء هذا النصب على هذين الوجهين ، أو يجيء على أن يكون الفعل قد عمل فيما قبله ، وقد سقط بعده فعل على شيء من سببه ، فيضمر له فعلا. فإنّما يكون على أحد هذه الثلاثة ، وهو في القرآن كثير.
وقال تعالى (خَلائِفَ الْأَرْضِ) [الأنعام : ١٦٥] وقال (خُلَفاءَ) [الآية ٦٩] و [الآية ٧٤] وكلّ جائز ، وهو جماعة «الخليفة».
وقال تعالى (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) [الآية ٦٩] أي : انبساطا.
وقال في موضع آخر (بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) [البقرة : ٢٤٧] وهو مثل الأول.
وتقرأ (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) [الآية ٧٣] بالجزم إذا جعلته جوابا ،