لمزيتها ، لكونها عماد الدين بالحديث ، وناهية عن الفحشاء والمنكر بالآية.
فإن قيل : قوله تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ) [الآية ١٧٦] تمثيل لحال بلعام (١) ، فلما ذا ورد بعده قوله عزوجل (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الآية ١٧٧] والمثل لم يضرب إلّا لواحد؟
قلنا : المثل في الصورة ، وإن ضرب لبلعام ، ولكن أريد به كفّار مكّة كلّهم ؛ لأنهم صنعوا مع النبي (ص) ، بسبب ميلهم الى الدنيا وشهواتها ، من الكيد والمكر ، ما يشبه فعل بلعام مع موسى (ع). الثاني أنّ (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) راجع إلى قوله تعالى (مَثَلُ الْقَوْمِ) لا إلى أول الآية.
فإن قيل : لم ورد على لسان النبي (ص) (إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٨٨) وهو (ص) ، كان بشيرا ونذيرا للنّاس كافّة ؛ كما قال تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ : ٢٨]؟
قلنا : المراد بقوله تعالى (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لقوم كتب عليهم في الأزل أنهم يؤمنون ، وإنّما خصّهم بالذكر ، لأنهم هم المنتفعون بالإنذار والبشارة دون غيرهم ، فكأنه نذير وبشير لهم خاصّة ، كما قال تعالى (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (٤٥) [النازعات] ويجوز أن يكون متعلق النذير محذوفا تقديره : إن أنا إلّا نذير للكافرين وبشير لقوم يؤمنون ؛ فاستغنى بذكر أحدهما عن الاخر ، كما استغنى بالجملة عن التفصيل ، في تلك الآية ؛ لأن المعنى : وما أرسلناك إلا كافّة بشيرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين.
فإن قيل : لم قال الله تعالى حكاية عن آدم (ع) وحوّاء رضي الله عنها (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) [الآية ١٩٠] وقال عزوجل (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٩٠) والأنبياء معصومون عن مطلق الكبائر ، فضلا عن الشرك الذي هو أكبر الكبائر؟
قلنا : المراد بقوله تعالى (جَعَلا لَهُ) أي جعل أولادهما بطريق حذف المضاف ، وكذا قوله تعالى (فِيما آتاهُما) أي فيما آتى أولادهما ، ويؤيّد هذا قوله تعالى (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا
__________________
(١). بلعام : عرّاف في بني إسرائيل.