يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤٩) أي غالب يسلّط القليل الضعيف ، على الكثير القوي وينصره عليه ، حكيم في جميع أفعاله.
فإن قيل لم قال تعالى : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٥١) ولم يقل ليس بظالم ، وهو أبلغ في نفي الظلم عن ذاته المقدسة؟
قلنا : قد سبق هذا السؤال ، وجوابه في سورة آل عمران.
فإن قيل : قوله عزوجل (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الآية ٥٣] وذلك إشارة إلى إهلاك كفار مكة وآل فرعون ، ولم تكن لهم حال مرضية غيّروها؟
قلنا : كما تغير الحال المرضية الى المسخوطة ، تغير الحال المسخوطة إلى أسخط منها وأسوأ ؛ وأولئك كانوا ، قبل بعث الرسول (ص) إليهم ، عباد أصنام. فلما بعث الرسول (ص) إليهم بالآيات البينات ، فكذّبوه ، وعادوه ، وسعوا في قتله ، غيّروا حالهم إلى أسوأ منها ، فغيّر الله تعالى ، ما أنعم به عليهم من الإمهال ، وعاجلهم بالعذاب.
فإن قيل : ما الحكمة من قوله تعالى : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [الآية ٥٥] بعد قوله جلّ وعلا : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٥٥)؟
قلنا مراده ، أن يبيّن أنّ شرّ الكفّار الذين كفروا ، واستمرّوا على الكفر إلى وقت الموت.
فإن قيل : ما الحكمة من تكرار المعنى الواحد في مقاومة الجماعة ، لأكثر منه ، قبل التخفيف وبعده ، في قوله تعالى (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الآية ٦٥] إلى قوله : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٦٦)؟
قلنا : فائدته ، الدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت ؛ بل كما ينصر الله تعالى العشرين على المائتين ، ينصر المائة على الألف ؛ وكما ينصر المائة على المائتين ، ينصر الألف على الألفين.
فإن قيل : لم أخبر الله تعالى عن هذه الغلبة ، ونحن نشاهد الأمر بخلافها ؛ فإن المائة من الكفار ، قد تغلب المائة من المسلمين ، بل المائتين في بعض الأحوال؟
قلنا : إنما أخبر الله عزوجل عن هذه الغلبة ، بشرط الصبر ، الذي هو