إحدى الطائفتين ، كان عونا لها على أعدائها ، في تفريق جموعهم وتقويض صفوفهم ، وإثارة القتام (١) والغبرة في عيونهم ووجهوهم ؛ وهذه الأحوال كلها ، أعوان عليها مع عدوهم ، فما جاء في هذا المعنى ، قول ضرار بن الخطاب الفهري :
قد أيقنوا يوم لا قونا بأنّ لنا |
|
ريح القتال وأصلاب الذين لقوا |
أراد لنا دولة القتال وقوة الاستظهار.
ومما جاء في هذا المعنى :
أتنظران قليلا ريث غفلتهم أم تعدوان فإنّ الريح للعادي وهذا قول بعض حراب (٢) العرب يخاطب صاحبه (٣) كأنه قد تنتظران (٤) غفلة الحي مراقبة ، أم تقدمان على استلاب إبلهم مزالبة (٥). فإن الدولة للمقدم ، والغنيمة للمصمم ، والعدو في الأصل هو السلوك بالظلم والبغي. يقال : عدو وعدوان ، وعلى ذلك قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) [يونس : ٩٠].
وقال بعضهم قول الشاعر : «هاهنا تعدوان» إنما أراد به عدو الأقدام ، فكأنه قال أن تنجوا سالمين ، ولا تتعرضا لشوكة الحي محاصرين ؛ فإنّ الإقبال للناجي بحشاشته ، والرابح بسلامته ، إذ كانت السلامة هي الغنيمة التي حازها ، والطريدة التي استقاها. والقول الأول هو المعتمد ، وهو بغرض الشاعر أليق ؛ ألا ترى إلى البيت الأول كيف حقر فيه شأن علوف (٦) الحي إطماعا لصاحبيه فيهم ، واعتدادا كنا أما عليهم (٧) ، وذلك حيث يقول :
__________________
(١). القتام : الغبار الأسود ، غبار الحرب.
(٢). كذا في النسخة ، ولعل الأصل خراب جمع خارب ، وهم سراق الإبل.
(٣). ربما كانت العبارة في الأصل صاحبية لأن السياق يقتضي ذلك.
(٤). لعل الأصل (كأنه قال).
(٥). كذا في النسخة ، ولعلها «مذاءبة» أخذا من فعل الذئب. ورد في اللسان (مادة زلب) : زلب الصبي بأمّه لزمها ، ولم يفارقها ، عن الجرشي والليث : ازدلب في معنى استلب. قال : وهي لغة رديئة.
(٦). كذا في النسخة ، وقد تكون في الأصل خلوف.
(٧). كذا جاء في النص.