الروم قد جمعوا جموعهم ، واعتزموا غزو المسلمين في بلادهم ، فأمر النبي (ص) أن يتجهز المسلمون ، وأن يأخذوا عدّتهم ، ويخرجوا إلى تبوك لقتال الروم في بلادهم ، قبل أن يفاجئوه في بلده.
أعلن النبي (ص) النفير العام ، وكان قلّما يخرج إلى غزوة ، إلا ورّى بغيرها ، مكيدة في الحرب ، إلا ما كان من هذه الغزوة ـ غزوة تبوك ـ فقد صرّح بها لبعد الشّقّة ، وشدة الزمان ، إذ كان ذلك في شدة الحرّ ، حين طابت الظلال ، وأينعت الثمار ، وحبّب إلى الناس المقام.
عندئذ وجد المنافقون فرصة سانحة ، للتخذيل فقالوا : لا تنفروا في الحر ، وخوّفوا الناس بعد الشّقّة وحذّروهم شدّة بأس الروم. وكان لهذا كله ، أثره في تثاقل بعض الناس ، عن الخروج للجهاد.
كذلك أخذ المنافقون يستأذنون في التخلف عن الغزو ، معتذرين بالأعذار الكاذبة الواهنة ، كما دبّر بعضهم المكائد للنبي (ص) في ثنايا الطريق.
ولم يكن بدّ من هذا الامتحان ليكشف الله المنافقين ، ويثبّت المؤمنين الصادقين ، فالشدائد هي التي تكشف الحقائق ، وتظهر الخبايا.
وقد ظهر الإيمان الصادق ، من المؤمنين المخلصين ، فسارعوا إلى تلبية الدعوة بأموالهم وأنفسهم ، يجهّزون الجيش ، ويعدون العدّة ، وقد خرج أبو بكر حينئذ عن كل ما يملك ، كما قام بنصيب الأسد في التجهيز عثمان بن عفان ، بذل الآلاف ، وجهّز المئات من البعير والخيل ، وجهّز هو وغيره الفقراء الأقوياء ، الذين جاءوا إلى النبي (ص) بأنفسهم ، ليحملهم ، فقال لهم كما ورد في التنزيل :
(لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) [الآية ٩٢].
ثم يستمر سياق سورة «التوبة» في الحديث عن المنافقين ، وما يظهر منهم من أقوال وأعمال تكشف عن نواياهم ، التي يحاولون سترها فلا يستطيعون ؛ فمنهم من ينتقد النبي (ص) في توزيع الصدقات ، ويتّهم عدالته في التوزيع ، وهو المعصوم ذو الخلق العظيم ؛