ومنهم من يقول هو أذن يستمع لكل قائل ، ويصدّق كل ما يقال. ومنهم من يتخفّى بالقولة الفاجرة الكافرة ، حتى إذا انكشف أمره استعان بالكذب والحلف ، ليبرئ نفسه من تبعة ما قال ؛ ومنهم من يخشى أن ينزل الله على رسوله سورة ، تفضح نفاقهم ، وتكشفهم للمسلمين.
ثم تقارن «السورة» بين المنافقين والمؤمنين ، لتبيّن الفرق الواضح بين صفات المنافقين ، وصفات المؤمنين الصادقين ، الذين يخلصون للعقيدة ولا ينافقون ؛ فقد خرج المؤمنون للجهاد مع رسول الله (ص) وقطعوا مسافة طويلة في الصحراء الجرداء ، تقدر بنحو ٦٩٢ كيلو مترا. وكان المؤمنون يتدافعون إلى الجهاد ، ويشتاقون إلى الشهادة. ولمّا أحس الروم بقدوم المسلمين ، انسحبوا من أطراف بلادهم الى داخلها ، فلمّا وصل المسلمون إلى تبوك ، لم يجدوا للروم أثرا. وقد عقد النبي (ص) معاهدات مع أمراء الحدود ، وعاد إلى المدينة مرهوب الجانب ، محفوظا بعناية الله.
وقد استقبل النبي (ص) المتخلّفين عن الجهاد في غزوة تبوك ، فمنهم أصحاب الأعذار الحقيقية ، وهؤلاء معذورون معفون من التّبعة ؛ ومنهم القادرون الذين قعدوا بدون عذر ، فعليهم تبعة التخلف ، ووزر النكوص عن الجهاد.
ثم تمضي سورة التوبة ، فتتحدث عن الأعراب ، فتذكر طبيعتهم ، وصنوفهم ، ومواقفهم من الإيمان والنفاق.
ثم تقسم الجماعة الإسلامية كلّها عند غزوة تبوك ، وبعدها ، إلى طبقاتها ودرجاتها ، وفق مقياس الإيمان والأعمال :
فهناك السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار ، والذين اتّبعوهم بإحسان ؛ وهناك المنافقون الذين تمرّسوا بالنفاق ، وتعوّدوا عليه ، سواء أكانوا من الأعراب ، أم من أهل المدينة ؛
وهناك الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا ، واعترفوا بذنوبهم ؛ وهناك الذين أخطئوا وأمرهم متروك لله ، إمّا يعذّبهم ، وإمّا يتوب عليهم ؛ وهناك فئة أخلصت لله في الإيمان ، وتخلّفت من غير عذر ، ثم ندمت ندما عميقا ، وضاقت الدنيا في وجهها ، ولجأت إلى