النصارى ، هم الذين يقولون ذلك لا كلّهم ، فالألف واللام للعهد ، لا للجنس ، ولا للاستغراق ، أو أطلق اسم الكل وأريد البعض ، كما قال تعالى : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ) [آل عمران : ٤٥] وإنّما قال لها جبريل وحده.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) [الآية ٣٠] وقول كل أحد ، إنّما يكون بفمه.
قلنا : معناه أنه قول لا تعضده حجة أو برهان ، إنما هو مجرد لفظ لا أصل له. وقيل ذكر ذلك للمبالغة في الرد عليهم ، والإنكار لقولهم ، كما يقول الرجل لغيره ، أنت قلت لي ذلك بلسانك.
فإن قيل : دين الحق هو من جملة الهدى ، فما الحكمة في عطفه على الهدى في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) [الآية ٣٣]؟
قلنا : المراد بالهدى هنا القرآن ، وبدين الحق الإسلام ، وهما متغايران.
الثاني أنه ، وإن كان داخلا في جملة الهدى ، ولكنّه خصّه بالذكر تشريفا له ، وتفضيلا ، كما في قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨] وقوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨].
فإن قيل : لم قال تعالى (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [الآية ٣٣] ، ولم يقل على الأديان كلّها ، مع أنه أظهره على الأديان كلها؟
قلنا : المراد بالدّين هنا اسم الجنس ، واسم الجنس المعرّف باللام ، يفيد معنى الجمع ، كما في قولهم : كثر الدرهم والدينار في أيدي الناس.
فإن قيل : لم قال تعالى (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) [الآية ٣٤] والمذكور الذهب والفضة ، فأعاد الضمير على أحدهما؟
قلنا : أعاد الضمير على الفضّة لأنها أقرب المذكورين ، أو لأنها أكثر وجودا في أيدي الناس ، فيكون كنزها أكثر ؛ ونظيره قوله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) [البقرة : ٤٥]. الثاني : أنه أعاد الضمير على المعنى ، لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال ، ونظيره قوله تعالى (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [الحجرات : ٩] لأنّ كل طائفة مشتملة على عدد كثير ، وكذا