قوله تعالى (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) [الحج : ١٩] يعني المؤمنين والكافرين. الثالث : أن العرب إذا ذكرت شيئين يشتركان في المعنى ، تكتفي بإعادة الضمير على أحدهما ، استغناء بذكره عن ذكر الاخر ، لمعرفة السامع باشتراكهما في المعنى ، ومنه قول حسان بن ثابت :
إنّ شرخ الشّباب والشعر الأسود |
|
ما لم يعاص كان حنونا |
ولم يقل ما لم يعاصيا ؛ وقول الاخر :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإني وقيّار بها لغريب |
ولم يقل لغريبان ، ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [الآية ٦٢] وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) [الأنفال : ٢٠] وليس قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة : ١١] وقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) [النساء : ١١٢] من هذا القبيل : لأن الإضمار جعل عن أحدهما لوجود لفظة أو ، وهي لإثبات أحد المذكورين ، فمن جعله نظير هذا فقد سها ، إلا أن يثبت أنّ أو في هاتين الآيتين بمعنى الواو وفي هاتين الآيتين لطيفة ، وهي أن الكلام لما اقتضى إعادة الضمير على أحدهما أعاده في الآية الأولى على التجارة ، وإن كانت أبعد ، ومؤنثة أيضا لأنها أجذب لقلوب العباد عن طاعة الله تعالى من اللهو ، لأن المشتغلين بها أكثر من المشتغلين باللهو ، أو لأنها أكثر نفعا من اللهو ، أو لأنها كانت أصلا ، واللهو تبعا ، وأعاده في الآية الثانية على الإثم رعاية لمرتبة القرب والتذكير.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) [الآية ٣٦] وهي عند الناس أيضا كذلك في كل ملة ، سواء أكانت الشهور قمرية أم شمسية؟
قلنا : الحكمة فيه ، أن يعلم أن هذا التقسيم والعدد ليس مما أحدثه الناس ، وابتدعوه بعقولهم من ذات أنفسهم ، وإنما هو أمر أنزله الله سبحانه ، في كتبه على ألسنة رسله.
فإن قيل : لم قال تعالى (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [الآية ٣٦] خصّ الأربعة الحرم بذلك ، وظلم النفس منهي عنه في كل زمان؟
قلنا : قال ابن عباس رضي الله عنهما ، الضمير في قوله تعالى