(فِيهِنَ) راجع إلى قوله سبحانه (اثْنا عَشَرَ شَهْراً) لا الأربعة الحرم فقط ، فاندفع السؤال. الثاني : أن الضمير راجع إلى الأربعة الحرم فقط ، إمّا لأنها أقرب ، أو لما قاله الفراء : إن العرب تقول في العشرة وما دونها لثلاث ليال خلون ، وأيام خلون ، فإذا جاوزت العشرة قالت خلت ومضت ، للفرق بين القليل وهو العشرة فما دونها ، وبين الكثير وهو ما زاد عليها ، ولهذا قال في الاثني عشر : منها ، وقال في الأربعة : فيهن. فعلى هذا يكون تخصيصها بالذكر ، إمّا لمزيد فضلها وحرمتها عندهم في الجاهلية ، فيكون ظلم النفس فيها أقبح ، ونظيره قوله تعالى (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧] وإن كان ذلك منهيّا عنه في غير الحجّ أيضا ، أو لأن المراد بالظلم النسيء ، وهو كان مخصوصا بها ، أو قتال الكفار فيها ابتداء ، أو ترك قتالهم إذا ابتدءوا ، وذلك كلّه مخصوص بها؟
فإن قيل : الشهر مذكّر فقياسه فيها؟
قلنا : الضمير بالهاء والنون ، لا يختص بالمؤنّث ، ولو اختص ، فالمراد بقوله (فِيهِنَ) ساعات الأشهر ، وهي مؤنثة.
فإن قيل : لم قال تعالى : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [الآية ٣٦] والإنسان لا يظلم نفسه ، بل يظلم غيره؟
قلنا : لا نسلّم أنه لا يظلم نفسه ، قال الله تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) [النساء : ١١٠] وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق : ١]. الثاني ، أن معناه فلا يظلم بعضكم بعضا كما قال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) [البقرة : ٨٤] وقال تعالى (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤] وقال تعالى (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) [الحجرات : ١١]. الثالث ، أن معناه فلا تنقصوا حظ أنفسكم من الاخرة بالمعصية ؛ فإنّ من عصى ، فقد ظلم نفسه بنقصه ثوابها ، وتوجيه العقاب والذم إليها ، وإليه الإشارة بقوله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق : ١]. الرابع ، أنّ كل ظالم لغيره ، فهو ظالم لنفسه في الحقيقة ؛ لأن ضرر ظلمه في حق المظلوم ، ينقطع عن قريب ، لأنه لا يتعدى الدنيا ، وضرر ظلمه في حق