لظرفي الزمان. ثم ذكر أنه خلق سائر الحيوان ، من الدواب والطير ، ثم خلق النوم واليقظة ، والموت والحياة ، ثم أكثر في أثناء السورة من ذكر الخلق والإنشاء لما فيهن ، من النيرين ، والنجوم ، وفلق الإصباح ، وخلق الحب والنوى ، وإنزال الماء ، وإخراج النبات والثمار بأنواعها ، وإنشاء جنات معروشات وغير معروشات ، والأنعام ، ومنها حمولة وفرش. وكل ذلك تفصيل لملكه سبحانه ، ما فيهن : وهذه مناسبة جليلة.
ثم لما كان المقصود من هذه السورة بيان الخلق والملك ، أكثر فيها من ذكر الرب الذي هو بمعنى المالك والخالق والمنشئ ، واقتصر فيها على ما يتعلق بذلك من بدء الخلق الإنساني والكوني ، والملكي والشيطاني ، والحيواني والنباتي ، وما تضمنته من الوصايا ، فكلّها متعلّق بالقوام والمعاش الدنيوي ، ثم أشار إلى أشراط الساعة.
فقد جمعت هذه السورة المخلوقات بأسرها ، وما يتعلّق بها ، وما يرجع إليها ، فظهر بذلك مناسبة افتتاح السور المكية بها ، وتقديمها على ما تقدم نزوله منها.
وهي في جمعها الأصول والعلوم والمصالح الدنيوية ، نظير سورة البقرة في جمعها العلوم والمصالح الدينية. وما ذكر فيها من العبادات المحضة ، فعلى سبيل الإيجاز والإيماء ، كنظير ما وقع في البقرة من علوم بدء الخلق ونحوه ، فإنه على سبيل الاختصار والإشارة.
فإن قلت : فلم لم يفتتح القرآن بهذه السورة مقدّمة على سورة البقرة ، مادام بدء الخلق مقدّما على الأحكام والتعبّدات؟.
قلت : للإشارة إلى أن مصالح الدين والاخرة مقدّمة على مصالح المعاش والدنيا ، وأن المقصود إنما هو العبادة ، فقدم ما هو الأهم في نظر الشرع (١) ، ولأن علم بدء الخلق كالفضلة ، وعلوم الأحكام والتكاليف متعين على كل
__________________
(١). ولهذا جاء في البقرة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) [البقرة : ٢١] وليس في القرآن غيره بلفظه. قال الكرماني : العبادة في الآية : التوحيد. وهو أول ما يلزم العبد من المعارف. فكان هذا أول خطاب خاطب به العباد في القرآن ، ثم ذكر سائر المعارف ، وبنى عليها العبادات فيما بعدها من السور والآيات (أسرار التكرار في القرآن (٢٢).