قال : ولا نعلم أحدا من القرّاء قرأها : (فأحسن صوركم) ، وكذلك قال : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) [الكهف : ٩٩] ، فمن قرأ : (ونفخ في الصّور) ، أو قرأ : (فأحسن صوركم) فقد افترى الكذب وبدّل كتاب الله.
أقول : وأنا أميل إلى قول أبي علي عن أبي عبيدة وهو أن «الصور» جمع صورة كالصوف جمع صوفة ، أو أنه «الصّور» جمع الصورة ، وذلك يبعد عنا فكرة التجسيم والتمثيل التي تكون في «القرن» ينفخ فيه.
١٠ ـ (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) [الآية ٨٠].
الكلام على (وَقَدْ هَدانِ) فالنون مكسورة ، والأصل : «وقد هداني» والياء مطلوبة لأنها ضمير المتكلم وهي المفعول به ، وقد حذفت هذه الياء واجتزئ عنها بكسرة قصيرة. أقول : «قصيرة» لأنها حركة قصيرة بالقياس إلى الياء التي هي كسرة أو حركة طويلة.
ولما ذا هذا الاجتزاء؟ سبب ذلك أن الوقف الجائز بعد (هَدانِ) يسوّغه وجود حركة قصيرة ؛ ولو كانت طويلة ، لما حسن الوقف ، لأن الوقف على النون الساكنة ، أوقع على السمع من الوقف على الياء ، أي : المدّ الطويل ؛ كما هو أحسن من الوقف على الكسر ، وهذا من لطائف حسن الأداء ، الذي تقتضيه قراءة القرآن ، وإحسان تلك القراءة.
١١ ـ وقال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الآية ٩٠].
الكلام على (اقْتَدِهْ) ، والهاء فيها صوت اقتضاه الوقف الذي هو أولى من الوصل في هذه الآية ، وذلك أن الوقف لو كان على «الدال» لوجب إسكان الدال ، وبذلك يختلّ الفعل ، ويلتبس معناه بالأمر من «اقتاد» ، فجيء بالهاء وهو صوت حلقي يحسن السكوت عليه ؛ ألا ترى أن العرب في باب النداء والندبة والاستغاثة ، وقفوا على الهاء فقالوا يا غوثاه ، ويا زيداه ، ووا حرّ قلباه ، وغير ذلك.
١٢ ـ وقال تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الآية ٩١].
والمعنى : ما عظّموا الله حقّ تعظيمه.
وقال الخليل : ما وصفوه حقّ صفته.