أقول : هذا هو «القدر» بمعنى التعظيم الذي تحوّل إلى «التقدير» في لغة المعاصرين ، يقولون : فلان حظي بالتقدير والاحترام. على أن «التقدير» في فصيح العربية القديمة ليس من هذا ، وتقدير الله الخلق ، تيسيره كلّا منهم ، لما علم أنهم صائرون إليه من السعادة والشقاء ، كذا قال المفسّرون ؛ والتقدير أيضا تعيين المقدار والدرجة والحدّ.
قال تعالى : (وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) [فصلت : ١٠].
وقال تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) (١٨) [المدّثّر].
وقال تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس : ٣٩].
وقال تعالى : (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً) (١٦) [الإنسان].
١٣ ـ وقال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) [الآية ٩٣].
أقول : واسم الفاعل «باسطو» مضاف إلى معموله ، والمعنى يبسطون أيديهم ، وهذا يعني أن الدلالة الزمنية هي حكاية الحال الماضية ، ومن أجل ذلك وجبت الإضافة ، ولم يجب النصب ، وقد كنا أشرنا إلى هذا الموضوع وأوضحناه.
١٤ ـ وقال تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الآية ٩٤].
أريد أن أقف على قوله تعالى (أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، والمضاف إلى المصدر حكمه حكم المصدر مفعولا مطلقا.
أقول : درج المعاصرون على جرّ «أوّل» باللام فيقولون : حدث لأوّل مرّة ، والفصيح : حدث أوّل مرّة.
١٥ ـ وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) [الآية ٩٥].
اسم الفاعل في الآية أضيف إلى معموله ، وامتنع النّصب. وانظر الآية : ٩٣.
١٦ ـ وقال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الآية ١٠١].
قالوا : من إضافة الصفة المشبّهة إلى فاعلها ، كقولك : فلان بديع الشّعر ، أي : بديع شعره. كقولك : فلان ثبت الغدر ، أي : ثابت فيه ، والمعنى أنه عديم النّظير والمثل فيها.
وقيل : البديع بمعنى المبدع (١).
__________________
(١). «الكشاف» ٢ : ٥٣.