أقول : إن قولهم : البديع بمعنى المبدع أكثر وجاهة ، وذلك لأنّ المبدع هو الموجد ، والخالق ، والبادئ ، وأن بدأ وبدع وبده واحد في الأصل والمعنى واحد. وعلى هذا فالمبدع ، مقابلا للبديع في الآية ، يعضده الاشتقاق.
١٧ ـ وقال تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٩).
أقول القسم في غاية الإغلاظ.
وقد كنت عرضت للايات المصدّرة ب «لئن» وأشرنا إلى اللام أنها موطئة للقسم ، ومن أجل ذلك فافعل بعدها جواب للقسم ، وقد أكّد بالنون لأنه الجواب المتصل باللام ، المثبت المستقبل في دلالته الزمنية.
وعلى هذا ، فأسلوب المعاصرين ومن سبقهم ممن أشرنا إليهم من الشعراء ، غير فصيح ، في جعل الجواب للشرط ، يدل عليه اقترانه بالفاء التي هي فاء الجزاء. (وَما يُشْعِرُكُمْ) ، بمعنى (وما يدريكم) ، أن الآية التي تقترحونها (إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها ، وأنتم لا تدرون بذلك. وذلك أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ، ويتمنّون مجيئها. فكأنّه ، عزوجل ، قال وما يدريكم أنهم لا يؤمنون. على معنى أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون به.
ألا ترى إلى قوله تعالى : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الآية ١١٠].
وقيل : «أنّها» بمعنى «لعلّها» من قول العرب : ائت السوق أنّك تشتري لحما.
وقال امرؤ القيس :
عوجا على الطّلل المحيل لأنّنا (١) |
|
نبكي الدّيار كما بكى ابن خذام |
ويقوّيها قراءة أبيّ : (لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون).
وقرئ بالكسر على أن الكلام قد تمّ قبله بمعنى : وما يشعركم ما يكون منهم (٢).
__________________
(١). لأننا بفتح اللام والهمزة ، بمعنى لعلّنا.
(٢). «الكشاف» ٢ : ٥٧.