١٨ ـ وقال تعالى : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) [الآية ١٣٨].
أقول : حجر بمعنى محجور مثل الذّبح والطّحن ، وهذا باب كبير في العربية ، وهو ما جاء على «فعل» بكسر فسكون ومعناه مفعول.
ولعل هذه الأبنية السماعية التي تؤدّي ما تؤدّيه الأبنية القياسية ، قد سبقت الأبنية القياسية ، ومن أجل ذلك احتفظت العربية ببقاياها. ألا ترى أن «فعلة» في كثير من الألفاظ تؤدّي معنى «مفعول» ، نحو اللّقمة والكسوة والضحكة ونحو ذلك ، ومثل ذلك ما ورد على «فعل» بفتحتين كالحلب والسلب والجلب والعلل والنّهل.
١٩ ـ وقال تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) [الآية ١٣٩].
قال الزمخشري (١) : كانوا يقولون في أجنّة البحائر والسوائب : ما ولد منها حيّا ، فهو خالص للذكور ، لا تأكل منه الإناث.
وأنّث لفظ (خالصة) للحمل على المعنى ، لأنّ (ما) في معنى الأجنّة ، وذكّر لفظ (محرّم) للحمل على اللفظ.
ويجوز أن تكون التاء في «خالصة» للمبالغة مثلها في راوية الشعر. وأن تكون مصدرا وقع موقع الخالص ، كالعاقبة ، أي : ذو خالصة.
أقول : ولا أرى قوله الثاني في أن التاء للمبالغة وجيها ، والوجه الأول هو الحسن والصواب ، وذلك أن لغة القرآن هي لغة العرب ، وقد درج العرب على مراعاة اللفظ مرّة ومراعاة المعنى أخرى ؛ فإذا اقتضت الحال المراعاة مرّتين ، حمل عليهما للتجانس ؛ وأظن أن هذه هي الحكمة اللطيفة ، التي جرت عليها لغة القرآن ، والله تعالى أعلم.
ويحسن أن نشير إلى قول الزمخشري «البحائر والسوائب» بشيء من الشرح فنقول :
أقول : البحيرة والسائبة من قوله تعالى :
(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) [المائدة : ١٠٣].
__________________
(١). «الكشاف» ٢ : ٧١.