فإن قيل : لم قال تعالى : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) [الآية ١٤] ولم يقل وهو ينعم ولا ينعم عليه ، وهذا أعمّ لتناوله الإطعام وغيره؟
قلنا ؛ لأن الحاجة إلى الرزق أمسّ فخصّ بالذكر. والثاني أن كون المطعم آكلا متغوّطا أقبح من كونه منعما عليه ، فلذلك ذكره.
فإن قيل : في قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣) كيف يكذبون يوم القيامة بعد معاينة حقائق الأمور ، وقد (بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) (١٠) [العاديات]؟
قلنا : المبتلى يوم القيامة ينطق بما ينفعه وبما يضرّه لعدم التمييز بسبب الحيرة والدهشة ، كحال المبتلى المعذّب في الدنيا يكذب على نفسه وعلى غيره ، ويتكلم بما يضرّه ، ألا تراهم يقولون كما ورد في التنزيل (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) [المؤمنون : ١٠٧] وقد أيقنوا بالخلود فيها ، وقالوا (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧] وقد علموا أنه (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [فاطر : ٣٦].
فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (٤٢) [النساء]؟
قلنا : القيامة مواقف مختلفة ؛ ففي بعضها لا يكتمون ، وفي بعضها يحلفون كاذبين ، كما قال عزوجل (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) [الحجر] وقال تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) [الرحمن] وقيل إن حلفهم كاذبين يكون قبل شهادة جوارحهم عليهم (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) يكون بعد شهادتها عليهم.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) [الآية ٣٢] وهو خير لغير المتّقين أيضا كالأطفال والمجانين؟
قلنا : إنّما خصّهم بالذكر ، لأنهم الأصل فيها من حيث أنّ درجتهم أعلى ، وغيرهم تبع لهم.
فإن قيل : ما الحكمة من التعبير في قوله تعالى (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٣٥) مخاطبا الرسول محمدا (ص) ونحن نعلم أنه جلّ وعلا قد خاطب النبي نوحا (ص) بقوله : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٤٦) [هود] أي خاطبه بألين الخطابين ، مع أن