محمدا (ص) أعظم رتبة ، وأعلى منزلة منه؟
قلنا : لأن نوحا عليه الصلاة والسلام ، كان معذورا في جهله بمطلوبه ، لأنه تمسّك بوعد الله تعالى في إنجاء أهله ، وظنّ أن ابنه من أهله ؛ وأمّا محمد (ص) فما كان معذورا ، لأنه كبر عليه كفرهم ، مع علمه أن كفرهم وإيمانهم بمشيئة الله تعالى ، وأنهم لا يهتدون إلّا أن يهديهم الله.
فإن قيل : إذا بعث الله تعالى الموتى من قبورهم ، فقد رجعوا إلى الله بالحياة بعد الموت ، فما الحكمة من قوله تعالى : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٣٦)؟
قلنا : المراد به وقوفهم بين يديه للحساب والجزاء ، وذلك غير البعث وهو إحياؤهم بعد الموت ؛ فلا تكرار فيه.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) [الآية ٣٧] لو صح من النبي (ص) هذا الجواب لصح لكل من ادّعى النبوة ، وطولب بآية أن يقول إن الله قادر على أن ينزّل آية؟
قلنا : إذا ثبتت نبوته بما شاء الله من المعجزة ، يصح له أن يقول ذلك ، بخلاف ما إذا لم تثبت نبوته ، والنبي (ص) كانت قد ثبتت نبوته بالقرآن ، وانشقاق القمر ، وغيرهما.
فإن قيل : ما الحكمة من قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) [الآية ٣٨] والدابّة لا تكون إلّا في الأرض ، لأن الدابة في اللغة اسم لما يدبّ على وجه الأرض وما الحكمة في قوله تعالى (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الآية ٣٨] والطيران لا يكون إلا بالجناح؟
قلنا : فيه فوائد : الأولى للتأكيد كقولهم : هذه نعجة أنثى ، وقولهم كلمته بلساني ، ومشيت إليه برجلي ، وكما قال الله تعالى (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل : ٥١] وقال تعالى : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح : ١١]. الثانية نفي توهّم المجاز فإنه يقال : طار فلان في أمر كذا إذا أسرع فيه ، وطار الفرس إذا أسرع الجري. الثالثة زيادة التعميم والإحاطة كأنه قال جميع الدواب الدابة وجميع الطيور الطائرة.
فإن قيل : قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ)