كذّبوا بها؟ الرابع : أن تكذيب الأوّلين ، لا يمنع إرسالها الى الآخرين ، لجواز أن لا يكذّب الآخرون. الخامس : أيّ مناسبة وأيّ ارتباط بين صدر الآية وقوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) [الآية ٥٩]؟ السادس : ما معنى وصف الناقة بالإبصار؟ السابع : أنّ الظلم يتعدّى بنفسه ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) [النساء : ١١٠]. فأي حاجة إلى الباء (فَظَلَمُوا بِها) [الآية ٥٩] ، ولم لم يقل فظلموها يعني العقر والقتل ، الثامن : أن قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) [الآية ٥٩] يدل على عدم الإرسال بها؟
قلنا : الجواب عن الأول ، أن المنع مجاز عبّر به عن ترك الإرسال بالآيات ، كأنه تعالى قال : وما كان سبب ترك الإرسال بالآيات ، إلّا أن كذّب بها الأولون. وعن الثاني : أن الباء لتعدية الإرسال إلى المرسل به ، لا إلى المرسل ، لأن المرسل محذوف وهو الرسول ، تقديره ، وما منعنا أن نرسل الرسل بالآيات ، والإرسال يتعدّى إلى المرسل بنفسه ، وإلى المرسل به بالباء ، وإلى المرسل إليه بإلى ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) [هود]. وعن الثالث : أنّ الضمير في قوله تعالى (بِهَا) [الآية ٥٩] ، عائد إلى جنس الآيات المقترحة ، لا إلى هذه الآيات المقترحة ، كأنّه تعالى قال : وما منعنا أن نرسل بالآيات المقترحة ، إلّا تكذيب من قبلهم بالآيات المقترحة ، يريد المائدة والناقة ونحوهما ، ممّا اقترحه الأوّلون على أنبيائهم. وعن الرابع : أنّ سنة الله تعالى في عباده ، أنّ من اقترح على الأنبياء آية ، وأتوه بها فلم يؤمن ، عجّل الله هلاكه ؛ والله تعالى لم يرد هلاك مشركي مكّة ، لأنّه تعالى علم أنه يولد منهم من يؤمن ، أو لأنه قضى وقدّر في سابق علمه ، بقاء من بعث إليهم محمّد (ص) إلى يوم القيامة ، فلو أرسل بالآيات التي اقترحوها ، فلم يؤمنوا ، لأهلكهم ؛ وحكمته اقتضت عدم إهلاكهم ، فلذلك لم يرسلها ؛ فيصير معنى الآية : وما منعنا أن نرسل بالآيات المقترحة عليك ، إلا أن كذّب بالآيات المقترحة الأوّلون ، فأهلكوا ، فربما كذّب بها قومك ، فأهلكوا. وعن الخامس : أنه تعالى لما أخبر أن الأوّلين كذّبوا بالآيات المقترحة ، عيّن منها واحدة