(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠).
وهي تتحدّث في هذا الختام ، عن الدار الاخرة أيضا ، وعمّن يرجو لقاء ربه ، وما يجب عليه ، أثرا لهذا الرجاء والإيمان ، من عمل صالح ، وتوحيد لله لا يخالطه إشراك.
وهكذا يتلاقى أول السورة وآخرها : أولها يتحدث عن الاخرة بطريق التقرير لها ، وبيان مهمة القرآن في إثبات ما يكون فيها من الجزاء إنذارا وتبشيرا ، وآخرها يتحدث عن هذه الحقيقة التي تركزت وتقررت ، ويحاكم الناس إليها في الإيمان والعمل الصالح.
وممّا يلاحظ أن آيات البدء ، قد ذكر فيها أمر الذين قالوا اتّخذ الله ولدا ، من إنذارهم وبيان كذبهم وتخليطهم وجهلهم على الله ، وذلك هو قول الذين يشركون بالله ، ويعتقدون ما ينافي وحدانيته وتنزيهه ؛ وأن آية الختام قررت (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وأنّ على من يؤمن به ، ويرجو لقاءه ألّا يشرك بعبادته أحدا ، فتطابق الأول والاخر في إثبات الوحدانية والتنزيه لله جلّ وعلا ، كما تطابقا في أمر البعث والدار الاخرة.
٢ ـ أمّا في أثناء السورة ، وما بين بدئها وختامها ، فقد جاء أمر البعث عدة مرات :
أ ـ جاء في مقدمة قصة أصحاب الكهف التي ساقها الله حقيقة من حقائق التاريخ الواقعية ، ودليلا على قدرته ، وتنظيرا لما ينكره الكافرون من أمر البعث والنشور :
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) (٩) ، وفي ثنايا هذه القصة :
(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) [الآية ٢١].
فهي تقرر أن أصحاب الكهف آية من آيات الله ، وأنهم ، مع غرابة أمرهم ، لا يعدّون في جانب القدرة الإلهية عجبا ، فإنما هم فتية آمنوا بربّهم ، وأووا إلى الكهف فرارا بعقيدتهم ، فضرب الله على آذانهم فيه مدة من الزمن ، ثم بعثهم. فالله ، إذن ، قادر على أن يضرب على آذان الناس جميعا في هذه الدار بالموت ، كما يضرب على آذانهم