ويستجار بهم فلا يجيرون ؛ وتبرز الجحيم فيراها المجرمون ويظنون أنّهم مواقعوها ، ولا يجدون عنها مصرفا.
في هذا الأسلوب ، جمع بين المبدأ والمعاد ، ووضع لقضية الخلق والبعث ، مقترنتين بين يدي العقل ، ليدرك الإنسان أنه ، منذ أوّل نشأته ، هدف لعدوّ مبين يحاول إضلاله ولفته عن الطريق المستقيم حسدا له وانتقاما منه ؛ وأن أخطر هذا الإضلال هو الوصول إلى حد الثقة بالعدوّ المبين ، واتّخاذه وليّا من دون الله يتّبع أمره وينصر هواه ؛ وأن هذا العدوّ المخاتل ، سيكون أمره يوم الجزاء كسائر الشركاء ، يزيّنون الكفر والعصيان ما داموا في الدنيا. حتّى إذا جاء أمر الله ، أعلنوا براءتهم ممّن اتّبعوهم وضلّوا بسببهم :
(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (١٧) [الحشر].
و ـ وجاء في هذه السورة أيضا ، مما يتصل ببراهين البعث ، قصة موسى (ع) وفتاه والعبد الصالح. وهي قصة عظيمة حافلة بالفوائد والمعاني الجليلة. وفيها يساق الحديث على نحو يشعر معه كل سامع شعورا قويا ، بأن لله سبحانه علما فوق علم الناس ، وتصريفا للكون على سنن ، منها ما هو معروف ومنها ما هو خفيّ. وإذا آمن الناس بهذا واطمأنّوا إليه ، لم يعد هناك مجال للعجب من أمر الساعة. فما هي إلا تغيير يحدثه خالق الكون ومالك ناصيته. فإذا السنن المعروفة تحلّ محلّها سنن أخرى ، ومن قدر على إنشاء السنن قدر على تغييرها. وبهذا يؤمن كل عاقل ، بصدق ما أخبر به المعصوم من كل أمر يبدو أمام العقول عجيبا. وهو في قدرة الله غير عجيب.
ز ـ جاءت السورة أيضا ، بعد هذه القصة ، بقصة أخرى عن عبد مكّن الله له في الأرض وآتاه من كلّ شيء سببا ، وسخّر له العلم والقوة وأسبابا أخرى كثيرة ، ذلك هو «ذو القرنين». وقد لجأ إليه قوم ليحول بينهم وبين المفسدين ، فأنجدهم وأعانهم وجعل الله عمله في ذلك رحمة للناس ، يبقى ما بقيت هذه الحياة ؛ فإذا جاء وعد الله ضاعت السدود والحوائل وأصبحت دكّا ، وترك الناس مضطربين يموج بعضهم في