ندعوه في المشرق «المعلّبات» وعندهم يقال : «المصبّرات».
أقول : وأهل إفريقية في هذه اللفظة ، أفصح منا نحن عرب المشرق ؛ ذلك أن «المعلّبات» و «التعليب» قد جاء من «العلبة» ، وهي قدح ضخم من جلود الإبل ، وقيل : العلبة من خشب ، كالقدح الضخم يحلب فيها ، وقيل : إنها كهيئة القصعة من جلد ، ولها طوق من خشب.
وهذه «العلبة» القديمة كان لنا في العراق شيء منها ، ولا سيّما في بغداد ، فهي وعاء من خشب ، تضع فيه القرويات اللبن الخاثر ، ويأتين به ليباع.
وجاء في الآية أيضا قوله تعالى : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ).
والمعنى : ولا تتجاوزهم عيناك وتتعدّياهم ، أي : لا تتجاوز عيناك الفقراء ، وتزوّرا عنهم.
أقول : وهذا استعمال جميل للفعل «عدا يعدو».
وجاء في الآية نفسها : (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨).
والمعنى : كان أمره مجاوزا الحدّ. وهذا من الكلم الجميل الذي لا نعرفه الآن ، وإن كنا نستعمل الإفراط والتفريط.
١١ ـ وقال تعالى : (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢٩).
وقال أيضا : (نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (٣١).
والمعنى : المرتفق هو المتّكأ من المرفق ، وهذا لمشاكلة قوله سبحانه : (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (٣١) ، وإلّا فلا ارتفاق لأهل النار ، ولا اتّكاء.
١٢ ـ وقال تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الآية ٣٣].
أي : كلّ واحدة من الجنّتين آتت غلّتها ، وأخرجت ثمرتها.
أقول : جاء الفعل مختوما بتاء التأنيث آتت ، ولم يأت «آتتا» كما وردت في بعض القراآت.
فما ذا يقال في هذه المسألة؟ قالوا : إنّ «كلتا» مفرد ، ولذلك حمل الفعل بعدها على اللفظ ، ولو حمل على المعنى لقيل : آتتا.
كأن «كلتا» اسم مقصود مفرد ، ولذلك فإنّ مراعاة لفظها أكثر وأفصح