لبني سليم : (لله درّكم يا بني سليم! والله لقد قاتلناكم فما أجبنّاكم ، وهاجيناكم فما أفحمناكم ، وسألناكم فما أبخلناكم) أي لم نصادفكم على هذه الصفات ، من الجبن عند النزال ، والبخل عند السؤال ، والعيّ عند المقال (١).
وعلى ذلك قول نافع (٢) بن خليفة الغنويّ :
سألنا فأحمدنا ابن كلّ مرزّأ جواد وأبخلنا ابن كلّ بخيل أي وجدنا هذا محمودا ، ووجدنا هذا بخيلا مذموما.
وفيما علقته عن قاضي القضاة أبي الحسين عبد الجبّار (٣) بن أحمد ـ أدام الله توفيقه ـ عند قراءتي عليه كتابه الموسوم «بتقريب الأصول» في أخريات من الكلام في التعديل والتحوير ، أنه لو لم يكن الأمر على ما قلناه في إغفال القلب ، من أنّ المراد بذلك مصادفته غافلا ؛ وكان على ما قاله الخصوم ، من أنه تعالى صدف به عن أمره ، وصرفه عن ذكره ، لوجب أن يقول سبحانه : «فاتّبع هواه». لقول القائل : أعطيته فأخذ ، وبسطته فانبسط ، وأكرهته فأذلّ. أي كانت هذه الأفعال منه مسببة عن أفعالي به.
لأن هذا وجه الكلام في الأغلب الأعرف. فلما جاء بالواو صار كأنه قال : ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا ، واتّبع هواه. لأنه إذا وجد غافلا فهو الذي غفل ، والفعل حينئذ له ، ومنسوب إليه.
وقوله سبحانه : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ
__________________
(١). كان مقتضى الترتيب هنا أن يقول : من الجبن عند النزال ، والعيّ عند المقال ، والبخل عند السؤال ، ليصح التقسيم.
(٢). نافع بن خليفة الغنوي شاعر روى القالي قطعة من شعره في «ذيل الأمالي» ص ١١٦ ، كما ذكر الجاحظ في «البيان والتبيين» أبياتا من شعره ج ١ ص ١٧٦ ، وقد جهدت ـ بعد جهد العلامة عبد العزيز الميمني ـ في معرفة شيء عنه فلم أوفق. ويقول عنه في «سمط اللئالي» : (ونافع لم أعرفه ، ولا ذكره الآمدي) ج ٣ من السمط ص ٥٥.
(٣). هو أبو الحسين الشافعي المعتزلي. وكان أحد شيوخ المؤلف. قرأ عليه في مجازات القرآن ، وفي المجازات النبوية. وكان شيخ الاعتزال في عصره. ويلقب بقاضي القضاة ، ولا يطلقون هذا اللقب على غيره. توفي بالرّيّ سنة ٤١٥. انظر الأعلام للزّركلي ، والغدير ج ٤ للأميني ص ١٦٣.