الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٠٤) وهذه استعارة. أصل الضّلال ذهاب القاصد عن سنن طريقه.
فكأنّ سعيهم لمّا كان في غير الطريق المؤدّية إلى رضا الله سبحانه ، حسن أن يوصف بالضّلال ، والعدول عن سنن الرشاد.
وقوله سبحانه : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (١٠٥). وفي هذه الآية استعارتان إحداهما قوله سبحانه : (بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ) وتأويل لقائه هاهنا على وجهين : أحدهما أن يكون فيه مضاف محذوف. فكأنه تعالى قال : ولقاء ثوابه وعقابه ، أو جنّته وناره. والوجه الاخر أن يكون معنى ذلك رجوعهم إلى دار لا أمر فيها لغير الله سبحانه. فيصيرون إليها ، من غير أن يكون لهم عنها محيص ، أو دونها محيد. وذلك مأخوذ من مقابلتك الشيء من غير أن تصرف عنه وجهك يمينا ولا شمالا.
يقول القائل : لقيت فلانا. أي قابلته بجملتي. وتقول : داري تلقاء دار فلان. أي مقابلتها. فكانت كل واحدة منهما كالمقبلة على الأخرى. فلمّا كان لا أحد يوم القيامة يستطيع انصرافا عن الوجهة التي أمر الله سبحانه بجمع الناس إليها ، وحشرهم نحوها ، سمّي ذلك لقاء الله سبحانه على السّعة والمجاز.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (١٠٥) والمراد بذلك ـ والله أعلم ـ أنّا لا نجد لهم أعمالا صالحة تثقل بها موازينهم يوم القيامة. والميزان إذا كان ثقيلا سمّي مستقيما ، وقائما. وإذا كان خفيفا سمّي عادلا ، ومائلا.
وقد يجوز أن يكون معنى ذلك أنهم لا اعتداد بهم ، ولا نباهة لذكرهم في يوم القيامة. كما يقال في التحقير للشيء : هذا لا وزن له ولا قيمة. وكما تقول : فلان عندي بالميزان الراجح ، إذا كان كريما عليك ، أو حبيبا إليك.