كنت تقيّا ؛ فكيف يكون حالي في القرب منك إلى الله تعالى إذا لم تكن تقيّا؟ قالوا : ونظير هذا ما جاء في الخبر «نعم العبد صهيب ، لو لم يخف الله لم يعصه» معناه : أنه إذا كان بحال لو لم يخف الله تعالى لا يوجد منه عصيان ، فكيف يكون حاله إذا خاف الله تعالى. وفي قراءة أبي رجاء وابن مسعود (إلا أن تكون تقيّا).
فإن قيل : اتّفق العلماء على أن الوحي لم ينزل على امرأة ولم يرسل جبريل (ع) برسالة إلى امرأة قطّ ، ولهذا قالوا في قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص : ٧] أنه كان وحي إلهام ، وقيل وحي منام ؛ فلم قال تعالى (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) [الآية ١٧] وقال تعالى : (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) [الآية ١٩]؟
قلنا : لا نسلّم أنّ الوحي لم ينزل على امرأة قط ، فإنّ مقاتلا قال في قوله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص : ٧] أنّه كان وحيا بواسطة جبريل (ع) ، وإنّما المتفق عليه بين العلماء أنّ جبريل (ع) لم ينزل بوحي الرسالة على امرأة لا بمطلق الوحي. وهنا لم ينزل على مريم بوحي الرسالة بل بالبشارة بالولد ، ولهذا جاء على صورة البشر (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) (١٧).
فإن قيل : ما وجه قراءة الجمهور : (لِأَهَبَ لَكِ) [الآية ١٩] والواهب للولد الله تعالى لا جبريل (ع)؟
قلنا : قال ابن الأنباري : معناه إنّما أنا رسول ربّك ، بقوله لك أرسلت رسولي إليك لأهب لك ، فيكون حكاية عن الله تعالى لا عن قول جبريل (ع) ، فيكون فعل الهبة مسندا إلى الله تعالى لا إليه. الثاني : أنّ معناه لأكون سببا في هبة الولد بواسطة النفخ في الدرع ، فالإضافة إليه بواسطة السببيّة.
فإن قيل : لم قالت كما ورد في القرآن : (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (٢٠). ولم تقل بغيّة ، مع أنه وصف مؤنث؟
قلنا : قال ابن الأنباري : لما كان هذا الوصف غالبا على النساء ، وقلّما تقول العرب رجل بغي ، لم يلحقوا به علامة التأنيث إجراء له مجرى حائض وعاقر وقال الأزهري : لا يقال رجل بغيّ ، بل هو مختصّ بالمؤنّث ، ولام الكلم ياء ، يقال بغت تبغي ؛ وهو فعول عند المبرّد أصلها بغوي ، قلبت الواو ياء وأدغمت ، وكسرت الغين اتباعا ، فهو