فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ) [الآية ٤١] وما أشبهه. ومثل هذا ، إنّما يستعمل إذا كان المأمور مختارا في الذكر وعدمه ؛ كما تقول لصاحبك وهو يكتب كتابا : اذكرني في الكتاب ، أو اذكر فلانا في الكتاب ؛ والنبيّ (ص) ما كان على سبيل من الزيادة والنقصان في الكتابة ، ليوصي بمثل ذلك؟
قلنا : هذا على طريق التأكيد في الأمر بالإبلاغ ، كتأكيد الملك على رسوله بإعادة بعض فصول الرسالة وتخصيصها بالأمر بالإبلاغ.
فإن قيل : الاستغفار للكافر لا يجوز ، فلم وعد إبراهيم أباه بالاستغفار له ، في قوله تعالى : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) [الآية ٤٧] مع أنه كافر؟
قلنا معناه : سأسأل الله تعالى لك توبة تنال بها مغفرته ، يعني الإسلام ؛ والاستغفار للكافر بهذا الطريق جائز ، وهو أن يقال : اللهم وفّقه للإسلام ، أو : اللهم تب عليه واهده وأرشده ، وما أشبه ذلك. الثاني : أنه وعده ذلك ، بناء على أنه يسلم فيستغفر له بعد الإسلام. الثالث : أنه وعده ذلك قبل تحريم الاستغفار للكافر ؛ فإنّ تحريم ذلك قضيّة شرعيّة ، إنّما تعرف بالسمع ، لا عقلية ، فإن العقل لا يمنع ذلك.
فإن قيل : الطّور ، وهو الجبل ليس له يمين ولا شمال ، فلم قال تعالى : (مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) [الآية ٥٢].
قلنا : خاطب الله تعالى العرب ، بما هو معروف في استعمالهم ، فإنهم يقولون عن يمين القبلة وشمالها ، يعنون ما يلي يمين المستقبل لها وشماله ، لأنّ القبلة لا يد لها لتكون لها يمين وشمال. وهذا اتساع منهم في الكلام لعدم اللّبس ، فالمراد بالأيمن هنا ، ما عن يمين موسى (ع) من الطّور. لأنّ النداء جاءه من قبل يمينه ، هذا إن كان الأيمن ضد الأيسر من اليمين. وإن كان من اليمن ، وهو البركة ، من قولهم : يمن فلان قومه فهو يامن : أي كان مباركا عليهم ، فلا إشكال ، لأنه يصير معناه : من جانب الطّور المبارك.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (٥٣) وهارون كان أكبر من موسى (ع) فما معنى هبته له؟