فيمتنع أن يكون المخاطب به موجودا قبل الخطاب ؛ لأنه إنما يكون بالخطاب ، فلا يسبقه ، بخلاف خطاب الأمر والنهي.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) [الآية ٤٩] كيف لم يغلب العقلاء من الدواب على غيرهم ، كما في قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النّور : ٤٥].
قلنا : لأنه أراد عموم كل دابة وشمولها ، فجاء ب «ما» التي تعم النوعين وتشملهما ، ولو جاء ب «من» لخّص العقلاء.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) [الآية ٦١] يقتضي أنه لو أخذ الظالمين بظلمهم لأهلك غير الظالمين من الناس ، ولأهلك جميع الدوابّ غير الناس ؛ ومؤاخذة البريء بسبب ظلم الظالم ، لا يحسن بالحكيم؟
قلنا : المراد بالظلم هنا الكفر ، وبالدابّة الظالمة الكافر ، كذا قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل معناه : لو أهلك الآباء بكفرهم لم يكن الأبناء. الثاني : يجوز أن يهلك الجميع بشؤم ظلم الظالمين ، مبالغة في إعدام الظلم ونفي وجود أثره ، حتى لا يوجد بعد ذلك من بقيّة الناس ظلم موجب للإهلاك ، كما وجد من الذين أهلكهم بظلمهم ؛ ودليل جواز ذلك ما وجد في زمن نوح عليهالسلام ، فإنه أهلك بشؤم الظلم الواقع على قوم نوح جميع دواب الأرض ، وما نجا إلّا من في السفينة ، ولم يبق على ظهر الأرض دابة ، ولذا قال تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] ثم إذا فعل ذلك للحكمة والمصلحة التي اقتضت فعله ، عوّض البريء في الاخرة ما هو خير وأبقى. الثالث أن كل إنسان مكلّف ، فهو ظالم إما لنفسه أو لغيره ، لأنه لا يخلو عن ذنب صغير أو كبير ، فلو أهلك الناس بذنوبهم لأهلك الدوابّ أيضا ، لأنه إنما خلق الدواب لمصالح الناس ، وإذا عدم الناس وقع استغناؤهم عن الدواب كلها.
فإن قيل : لم قال تعالى (مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ) [الآية ٦٨] ولم يقل في الجبال وفي الشجر ، والاستعمال. هو