فيها الاستسرار لقول ، ولا الكتمان لسر ، لأن السرائر مظهرة ، والضمائر مصرحة (١). وإنما المراد بهذا الكلام ما يقوله المعبودون لمن عبدهم من الأمة ، إذ يقول سبحانه : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) [الآية ٨٦] فقال المعبودون لهم في الجواب عن ذلك : إنكم لكاذبون ، أي في أنّا دعوناكم الى العبادة ، أو في قولكم إنّنا آلهة. وقد يجوز أيضا أن يكون التكذيب من العابدين للمعبودين ، فكأنّهم قالوا لهم : كذبتم في ادّعائكم ، أنّكم تستحقون العبادة من دون الله تعالى. فلم يبق إذن إلا الوجه الأول في معنى إلقاء القول ، وهو أن يكون على وجه الخضوع والضراعة ، ويكون سبب هذه الاستكانة الخوف من الله سبحانه ، لا خوف بعض الشركاء من بعض. ومثل ذلك قوله سبحانه ، عقب هذه الآية : (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) [الآية ٨٧] أي استسلموا له عن ضرع ذلة ، وانقطاع حيلة. ومن ذلك قولهم : ألقى فلان يد العاني. أي ذلّ ذلّ الأسير ، وخضع خضوع المقهور.
وقوله سبحانه : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) [الآية ٩٤] وهذه استعارة. لأن المراد بالقدم هاهنا الثبات في الدّين. ولما كان أصل الثبات في الشيء والاستقرار عليه ، إنّما يكون بالقدم ، حسن أن يعبر عن هذا المعنى بلفظ القدم ، وكأنّ المراد بقوله تعالى : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) أي يضعف دينكم ، ويضطرب يقينكم ، فيكون كالقدم الزّالة ، والقائمة المائدة.
وقوله سبحانه : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) [الآية ١٠٢] وهذه استعارة. لأن المراد بذلك جبريل عليهالسلام ، والتقديس : الطهارة ، وإنما سمّي روح القدس ، لأنّ حياة الدين وطهارة المؤمنين ، إنّما تكون بما يحمله الى الأنبياء عليهمالسلام من الأحكام والشرائع ، والآداب والمصالح.
وقوله سبحانه : (لِسانُ الَّذِي
__________________
(١). أصحر الأمر : أظهره وأعلنه في غير خفاء.