بطون النحل ، وإنما تنقله بأفواهها من مساقطه ومواقعه من أوراق الأشجار ، وأضغاث النبات. لأنه يسقط كسقوط الندى في أماكن مخصوصة ، وعلى أوصاف معلومة ، والنحل ملهمة تتبّع تلك المساقط ، وتعهد تلك المواقع ، فتنقل العسل بأفواهها إلى كوّاراتها (١) ، والمواضع المعدّة لها. فقال سبحانه : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) والمراد من جهة بطونها. وجهة بطونها : أفواهها. وهذا من غوامض هذا البيان ، وشرائف هذا الكلام.
وقوله سبحانه : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) (٨٦) وهذه استعارة. والمراد بإلقاء القول ـ والله أعلم ـ إخراج الكلام مع ضرب من الخضوع والاستكانة والإسرار والخفية ، كما قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة : ١] وفي هذا الكلام مفعول محذوف. فكأنه قال تعالى : «تلقون إليهم الأخبار بالمودة». وهذا القول ، نزل في قوم من المؤمنين ، كانوا يجتمعون مع قوم من المنافقين ، بأرحام تلفهم ، وخلل (٢) تولد عنهم ، فيتسقّطونهم ليعرفوا منهم أخبار النبي (ص) والمؤمنين ، فنهوا عن مناقشتهم والاجتماع معهم. فكأنّ المعنى : تلقون إليهم الأسرار بالمودّة التي بينكم ، على سبيل الإسرار والإخفاء.
وقد قيل إن المراد : تلقون إليهم المودّة ، فقال تعالى : بالمودّة ، كما قال سبحانه : (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) (٢٠) [المؤمنون] أي تنبت الدهن على أحد التأويلين ، ونظير التأويل الأول قوله سبحانه في ذكر الشياطين : (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٢٢٣) [الشعراء] أي يطلبون سماع الأخبار على وجه الاستخفاء والاستسرار ، وهذا الوجه لا يصح في قوله تعالى : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) (٨٦) لأنّ الحال ، التي أخبر سبحانه بأن هذا يجري فيها ، هي حال القيامة ، وتلك حال لا يجوز
__________________
(١). الكوّارات بضم الكاف وتشديد الواو جمع كوّارة ، وهي بيت يتخذ للنحل من القضبان أو الطين تأوي إليه. أو هي عسلها في الشمع.
(٢). الخلل : جمع خلّة وهي الصداقة والصحبة.