لي ، وسلّم لأمري. وقد يجوز أيضا أن يكون معنى (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) : أي استسلموا وسلّموا. فكانوا كمن طرح آلة المقارعة ، ونزع شكّة المحاربة. وفي معنى ذلك قوله سبحانه : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] أي لا تستسلموا لها ، وتوقعوا نفوسكم فيها.
وقوله سبحانه : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠). وهذه استعارة. لأنه ليس هناك شيء على الحقيقة يؤمر ، ولا قول يسمع. وإنّما هذا القول عبارة عن تحقيق الإرادة وشرعة وجود المراد ، من غير معاناة ولا مشقّة ، فهو إخبار عن نفاذ قدرته تعالى. فإذا أراد أمرا كان لوقته ، من غير أن يبطئ إيجاده ، أو يتقاعس إنفاذه. وذلك بمنزلة قول أحدنا : «كن» في خفة اللفظ به ، وسرعة التعبير عنه ، من غير كلفة تلحقه ، ولا مشقة تعترضه.
وقيل إن معنى قوله سبحانه : (كُنْ) ، علامة للملائكة يدلّهم بها ، عند سماعهم لها ، على أنه سيحدث كذا ، ويفعل كذا ، من محكمات التقدير ، ومبرمات التدبير.
وقوله سبحانه : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) [الآية ٤٨]. وهذه استعارة. لأن المراد بها رجوع الظلال من موضع الى موضع. والظلال على الحقيقة لا تتفيأ ولا تنقل ، وإنما ترد الشمس عليها ، ثم ترجع إلى ما كانت عليه ، بعد أن تزول الشمس عنها ، والشمس هي المتنقلة عليها ، والظلال قائمة بحالها.
وقوله تعالى في صفة النحل العسّالة : (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) [الآية ٦٩]. وفي هذه الآية استعارتان : إحداهما قوله تعالى : (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً) ، على قول من جعل ذللا حالا للسّبل ، لا حالا للنحل. والذّلل : جمع ذلول ، وهي الطرق الموطّأة للقدم ، السهلة على الحافر والمنسم ، تشبيها لها بالإبل الذلل ، وهي التي قد عوّدت الترحل ، وألفت المسير.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) والمراد بذلك العسل. والعسل عند المحقّقين من العلماء غير خارج من