تعالى ساوى في ضمان الرزق وإيصاله ، بين البرّ والفاجر والمطيع والعاصي ، ولم يمنع الرزق عن العاصي بسبب عصيانه ، فلا تفاوت بين العباد في أصل الرزق ، وإنّما التفاوت بينهم في مقادير الإملاك.
فإن قيل : لم منع الله تعالى الكفّار التوفيق والهداية ، ولم يمنعهم الرزق؟
قلنا : لأنه لو منعهم الرزق لهلكوا ، وصار ذلك حجّة لهم يوم القيامة ، بأن يقولوا لو أمهلتنا ورزقتنا ، لبقينا أحياء فآمنّا. الثاني : أنه لو أهلكهم بمنع الرزق ، لكان قد عاجلهم بالعقوبة ، فيتعطّل معنى اسمه الحليم عن معناه ؛ لأن الحليم ، هو الذي لا يعجّل بالعقوبة على من عصاه. الثالث : أنّ منع الطعام والشراب من صفات البخلاء الأخسّاء ، والله تعالى منزّه عن ذلك. وقيل إعطاء الرزق لجميع العبيد عدل ، وعدل الله عامّ ، وهبته التوفيق والهداية فضل ، وإنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى (عِنْدَكَ) من قوله سبحانه : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) [الآية ٢٣]؟
قلنا : الحكمة أنهما يكبران في بيته وكنفه ، ويكونان كلّا عليه لا كافل لهما غيره ، وربما تولّى منهما من المشاق ، ما كانا يتوليان منه في حال الطفولة.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) [الآية ٣٢] ولم يقل ولا تزنوا؟
قلنا : لو قال «ولا تزنوا» كان نهيا عن الزنى ، لا عن مقدماته كاللمس والمعانقة والقبلة ، ونحو ذلك ؛ ولمّا قال (وَلا تَقْرَبُوا) كان نهيا عنه وعن مقدّماته ، لأن فعل المقدّمات قربان للزنى.
فإن قيل : الإشارة بقوله تعالى (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ) [الآية ٣٨] على ما ذا تعود؟
قلنا : الإشارة إلى كل ما هو منهيّ عنه ، من جميع ما ذكر من قوله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الآية ٢٣] إلى هذه الآية ؛ لا إلى جميع ما ذكر ، فإن فيه حسنا وسيئا ؛ وقال أبو علي هو إشارة إلى قوله تعالى (وَلا تَقْفُ) [الآية ٣٦] وما بعده ، لأنه لا حسن فيه.
فإن قيل : لم قال تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) [الآية ٤٤]