فقوله جلّ شأنه (وَمَنْ فِيهِنَ) يتناول أهل الأرضين كلّهم ، والمراد به العموم كما هو مقتضى الصيغة ، بدليل تأكيده بقوله تعالى بعده ؛ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الآية ٤٤] ، والتسبيح هو التنزيه عن كل ما لا يليق بصفات جلاله وكماله ، والكفّار يضيفون إليه الزوج والولد والشريك وغير ذلك ، فأين تسبيحهم؟
قلنا : الضمير في قوله تعالى (وَمَنْ فِيهِنَ) راجع إلى السماوات فقط. الثاني : أنه راجع إلى السماوات والأرض ، والمراد بقوله تعالى (وَمَنْ فِيهِنَ) يعني من المؤمنين فيكون عامّا أريد به الخاصّ ؛ وعلى هذا يكون المراد بالتسبيح المسند إلى من فيهنّ ، التسبيح بلسان المقال. ثالث : أن المراد به التسبيح بلسان الحال ، حيث تدلّ على وجود الصانع ، وعظيم قدرته ، ونهاية حكمته ؛ فكأنها تنطق بذلك ، وتنزّهه عمّا لا يجوز عليه ، وما لا يليق به من السوء ، ويؤيده قوله تعالى بعده : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الآية ٤٤] ، والتسبيح العامّ للموجودات جميعها ، إنّما هو التسبيح بلسان الحال. فإن قيل : لو كان المراد هو التسبيح بلسان الحال ، لما قال سبحانه (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الآية ٤٤] ، إلا أنّ التسبيح بلسان الحال مفقود لنا : أي مفهوم ومعلوم؟
قلنا : الخطاب بقوله تعالى (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) للكفّار ، وهم مع تسبيحهم بلسان الحال ، لا يفقهون تسبيح الموجودات على ما ذكرنا من التفسير ؛ لأنهم لمّا جعلوا لله شركاء وزوجا وولدا ، دلّ ذلك على عدم فهمهم التسبيح والتنزيه للموجودات ، وعدم إيضاح دلائل الوحدانيّة لأنّ الله تعالى طبع على قلوبهم.
فإن قيل : (وَمَنْ فِيهِنَ) [الآية ٤٤] وهم الملائكة والثّقلان يسبّحون حقيقة ، والسماوات والأرض والجمادات تسبّح مجازا ، فكيف جمع بين إرادة الحقيقة والمجاز من لفظ واحد ، وهو قوله تعالى : (تُسَبِّحُ)؟
قلنا التسبيح المجازي بلسان الحال ، حاصل من الجميع ، فيحمل عليه دفعا لما ذكرتم من المجاز.
فإن قيل : لم قال تعالى : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) [الآية ٥٢]