النائم من نومه فتختلف الرؤيا عن واقعه ، والتأويل عبارة عن إرجاع النوم إلى الأصل الذي اشتقت منه الرؤيا الفعلية ، وذلك علم خاص يرزقه الله تعالى لمن يشاء ، فرزقه الله ليوسف كما يقول : ( وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) (١) ، فالتأويل الوارد في سورة يوسف في عدّة موارد عبارة عن إرجاع الرؤية الصادقة المتصرّفة فيه من قبل النفس إلى واقعها الذي تحولت عنه كما هو الحال في الموارد التالية :
١. رؤية يوسف سجود أحد عشر كوكباً مع الشمس والقمر له.
٢. رؤية أحد مصاحبيه في السجن انّه يعصر خمراً.
٣. رؤية مصاحبه الآخر انّه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل منه الطير.
٤. رؤية الملك سبع بقرات سمان وسبع عجاف ....
فالتأويل في هذه الموارد تأويل عمل تكويني وإرجاع له إلىٰ واقعه.
ومن هنا تبيّن انّ التأويل حسب مصطلح القرآن هو إرجاع الشيء إلى واقعه ، وأمّا التأويل بمعنى صرف الكلام عن ظاهره المستقر ، إلى خلافه ، فهو مصطلح حديث بين العلماء لا يمتّ إلى القرآن بصلة ، وإن اغتر ابن منظور بهذا المصطلح وذكره من أحد المعاني وقال : والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ. (٢)
فلو صحّ ذلك الاستعمال ، فإنّما هو اصطلاح جديد لا يصحّ للمفسِّر أن يفسّر القرآن به. ولم نجد في القرآن آية يُلزمنا العقل والنقل إلى صرفها عن ظهورها المستقر الثابت ، وأمّا الظهور البدائي فليس ظهوراً له قيمة حتى يعدّ العدول عنه صرفاً للظاهر عن ظاهره.
______________________
١. يوسف : ٦. |
٢. لسان العرب : ١١ ، مادة أول. |