[الطور : ١٧] ، وهو أكثر من أن يحصى. والثاني : هو الأصل في التنكير ، فلا يحتاج إلى تمثيله. فتنكير (اللبس) من التعظيم والتفخيم ، كأنه قال : في لبس أيّ لبس. وتنكير (الخلق الجديد) للتقليل منه ، والتهوين لأمره ، بالنسبة إلى الخلق الأول. ويحتمل أن يكون للتفخيم ، كأنه أمر أعظم من أن يرضى الإنسان بكونه ملتبسا عليه ، مع أنه أول ما تبصر فيه صحته. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (١٦)
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أي تحدّث به نفسه ، وهو ما يخطر بالبال. وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) تمثيل للقرب المعنوي ، بالصورة الحسية المشاهدة. وقد جعل ذاك القرب أتم من غاية القرب الصوريّ ، الذي لا اتصال أشد منه في الأجسام ، إذ لا مسافة بين الجزء المتصل به وبينه.
قال الشهاب : تجوّز بقرب الذات عن قرب العلم ، لتنزّهه عن القرب المكاني ، إما تمثيلا ، وإما من إطلاق السبب وإرادة المسبب ، لأن القرب من الشيء سبب للعلم به وبأحواله في العادة. والمعنى : أنه تعالى أعلم بأحواله ، خفيّها وظاهرها ، من كل عالم. وقد ضرب المثل في القرب بحبل الوريد ، لأن أعضاء المرء وعروقه متصلة على طريق الجزئية ، فهي أشد من اتصال ما اتصل به من الخارج. وخص هذا لأن به حياته ، وهو بحيث يشاهده كل أحد. والحبل : العرق. شبه بواحد الحبال. فإضافته للبيان أو لامية ، من إضافة العام للخاص. فإن أبقى الحبل على حقيقته ، فإضافته كلجين الماء.
تنبيه :
تأول ابن كثير الآية على غير ما تقدم ، بجعل (نحن) كناية عن الملائكة ، وعبارته : يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه. قال : ومن تأوله على العلم ، فإنما فرّ لئلا يلزم حلول أو اتحاد ، وهما منفيان بالإجماع ، تعالى الله وتقدس ، ولكن اللفظ لا يقتضيه ، فإنه يقل (وأنا أقرب إليه) وإنما قال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) كما قال في المحتضر (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) [الواقعة : ٨٥] ، يعني : ملائكته. وكما قال تبارك وتعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] ، فالملائكة نزلت بالذكر وهو القرآن ، بإذن الله عزوجل.