المقصود ، فإنه إذا كان يعلم ويسمع دعاء الداعي حصل مقصوده. وهذا هو الذي اقتضى أن يقول من يقول ، بأنه قريب من كل شيء ، بمعنى العلم والقدرة ، فإن هذا قد قاله بعض السلف ، وكثير من الخلف ، لكن لم يقل أحد منهم إن نفس ذاته قريب من كل موجود. وهذا المعنى يقرّ به جميع المسلمين ، من يقول إنه فوق العرش ، ومن يقول إنه ليس فوق العرش.
ثم قال : وهؤلاء كلهم مقصودهم أنه ليس المراد أن ذات البارئ جل وعلا قريبة من وريد العبد ، ومن الميت. ولما ظنوا أن المراد قربه وحده دون الملائكة ، فسروا ذلك بالعلم والقدرة ، كما في لفظ المعية. ولا حاجة إلى هذا ، فإن المراد بقوله (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) أي بملائكتنا ، في الآيتين : وهذا بخلاف المعية ، فإنه لم يقل : ونحن معه ، بل جعل نفسه هو الذي مع العباد ، وأخبر أنه ينبئهم يوم القيامة بما عملوا ، وهو نفسه الذي خلق السماوات والأرض ، وهو نفسه الذي استوى على العرش ، فلا يجعل لفظ مثل لفظ ، مع تفريق القرآن بينهما.
ثم قال : وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) لا يجوز أن يراد به مجرد العلم ، فإن من كان بالشيء أعلم من غيره ، لا يقال إنه أقرب إليه من غيره ، بمجرد علمه به ، ولا بمجرد قدرته عليه. ثم إنه سبحانه عالم بما يسرّ من القول ، وما يجهر به ، وعالم بأعماله ، فلا معنى لتخصيصه حبل الوريد بمعنى أنه أقرب إلى العبد منه ، فإنه حبل الوريد قريب إلى القلب ، ليس قريبا إلى قوله الظاهر ، وهو يعلم ظاهر الإنسان وباطنه. قال تعالى (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [طه : ٧] ، ومما يدل على أن القرب ليس المراد به العلم ، سياق الآية ، فإنه قال (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) ، فأخبر أنه يعلم وسواس نفسه.
ثم قال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) فأثبت العلم ، وأثبت القرب ، وجعلهما شيئين ، فلا يجعل أحدهما هو الآخر ، وقيد القرب بقوله (إِذْ يَتَلَقَّى ...) الآية.
وأما من ظن أن المراد بذلك قرب ذات الرب من حبل الوريد ، وأن ذاته أقرب إلى الميت من أهله ، فهذا في غاية الضعف. وذلك أن الذين يقولون إنه في كل مكان ، وإنه قريب من كل شيء بذاته ، لا يخصون بذلك شيئا دون شيء ، ولا يمكن مسلما أن يقول إن الله قريب من الميت دون أهله ، ولا أنه قريب من حبل الوريد دون